يعتبر كتاب” من الذي حرك قطعة الجبن الخاصة بي” للكاتب سبنسر جونسون من أشهر كتب التنمية الذاتية والتحفيز، لقي رواجا كبيرا في العالم، حيث ترجم إلى عدة لغات وظل في قائمة نيويورك تايمز بزنس للكتب الأكثر مبيعاًلمدة خمس سنوات تقريباً. ويهدف الكاتب من هذا العمل إلى تجسيد واقع الحياة التي نعيشها، على أسلوب الرمز حيث رمز إلى متطلبات الحياة وملذاتها بقطعة الجبن ورمز إلى الحياة التي نعيش فيها بالمتاهة والأماكن التي نوجد بها بالممرات. كما أراد الكاتب أن يوضح من خلال هذا العمل التغيير الذي يحدث داخل متاهة صغيرة، يوجد بداخلها أربعة أشخاص هدفهم الأسمى في الوجود هو الحصول على قطعة “الجبن”، والتي شبهها الكاتب بــــــــــــــ” الرمز أو الهدف” الذي نسعى في حياتنا للحصول عليه متمثلة في ملذات الحياة مثل:”الصحة، المال، اقامة علاقات، الحصول على وظيفة” … وغيرها من ملذات الحياة. فالكل يسعى جاهدا لتحقيق هدفه وإكمال سعادته في الحصول على قطعة الجبن التي تمثل لهم امتلاكها السعادة والاستقرار، وعدم الحصول عليها يسبب لهم الآلام والتعاسة.

 

 

من حرك قطعة الجبن الخاصة بي؟ هي حكاية رمزية ذات مغزى أخلاقي تدور حول:

 

فأرين يُدعيان “سنيف” وسكوري” وقزمين “هيم” وهاو”، يعيشون في متاهة، كان هدفهم الأسمى في حياتهم هو الحصول على قطعة الجبن. اتبع كل منهم طريقا مختلفا عن الأخر وتفرقوا في ممرات المتاهة الطويلة بحثاً عن الجبن. ذات يوم وجدت المجموعتان ممرا مليئا بالجبن في محطة الجبن (أ) وفرحوا فرحا شديدا إلا أن القزمان بدآ بوضع إجراءات حول استهلاكهم اليومي من الجبن دون التفكير في إمكانية نفاذ مورد الجبن. وفي كل يوم كانوا يذهبوا مبكرا إلى مكان قطعة الجبن، لكن ذات مرة سيطر عليهم الكسل وأنهكهم الروتين اليومي ،فاستيقظ كلا من القزمان متأخرين وتكاسلوا في الطريق للوصول إلى قطعة الجبن ،في حين وصل الفأران سنيف وسكوري إلى محطة الجبن (أ) ليكتشفا عدم وجود الجبن ،إلا أنهما لم يندهشا لذلك ولم يتذمرا، حيث لاحظا أن مورد الجبن كان يتناقص كل يوم ،وكانا مستعدين لذلك المصير الحتمي ويعرفان ما سيقومان به ، فلم يتوقفا كثيرا عند المحطة بل بدآ في البحث عن قطع الجبن من جديد .وعندما وصل هيم وهاو في وقت متأخر إلى المحطة تفاجآ بعدم وجود الجبن ،ليصرخ هيم غاضباً : “من الذي حرك قطعة الجبن الخاصة بي ؟ ” تذمرا من ظلم الموقف وعادا إلى بيتهما جائعين، وظلا بلا جبن لعدة أيام يمضيانها في نكران ما حدث، فلم يكن القزمان مستعدين لهذا لأنهما اعتبرا وجود الجبن هناك أمراً مسلماً به. وأثناء ذلك اقترح هاو الذي يأمل في تغير الوضع البحث عن الجبن من جديد، لكن هيم المعتاد والمطمئن إلى الروتين القديم والخائف من المجهول رفض الفكرة، وظل على هذا الحال منتظرا أن يتغير كل شيء من تلقاء نفسه ويعود الجبن إلى مكانه. في ذلك الحين استمر الفأران سنيف وسكوري في البحث من جديد دون أن ييأسوا إلى أن وجدا موردا جديدا للجبن في محطة الجبن (ب) ،بينما لايزال هيم وهاو في محطة الجبن (أ) متأثرين بفقدان الجبن ويلوم أحدهما الأخر على هذا المأزق ، إلا أنهما بدآ في استيعاب الموقف ، فقرر  هاو الدخول في المتاهة مرة أخرى بعد أن أدرك أنه يجب ببساطة أن يمضي قدماً ، وبدأ ينحت على جدار كل محطة رسالة لصديقه ليتفكر بها وتحفزه على البحث من جديد .وأثناء رحلة بحثه سيطر عليه الفشل تارة ، وسيطر عليه الخوف والقلق تارة أخرى ، إلا انه لم يستسلم بعد أن أدرك حقيقة أن الجبن لم يختف فجأة ،بل تضاءل بسبب الاستهلاك المستمر ، و تذكر أن التغيرات التي تحدث على قطعة الجبن هي السبب في تعفنها واختفائها .

هكذا استمر هاو في البحث إلى أن وصل إلى محطة أخرى لكنها فارغة ، إلا أنه كان يعثر على قطع جبن صغيرة في طريقه بين الحين والأخر فشعر بخيبة الأمل مجدداً، لكنه قرر أن يضع قلقه ومخاوفه جانباً، ويبدأ بالاستمتاع بالحياة مرة أخرى ، كما أدرك حقيقة أنه “عندما تتجاوز مخاوفك ستشعر بالحرية ” .وهكذا استمر على هذا الحال إلى أن وصل إلى محطة جبن فارغة أخرى ، فقرر العودة إلى صديقه هيم من جديد ،مع قطع الجبن الصغيرة التي قد عثر عليها ، إلا أن هيم رفض أخذ الجبن الجديد مما سبب استياء لصديقه .هذا دفع هاو إلى العودة إلى المتاهة وبدأ المغامرة من جديد ، مسلحاً بالمعرفة التي قد اكتسبها من رحلته السابقة ، وسار في أعماقها متتبعاً قطع الجبن المتناثرة هنا وهناك . وفي يوم من الأيام وبعد رحلة بحث طويلة وصل هاو إلى محطة الجبن (ب) ووجد فيها جبلا من الجبن، ففرح كثيرا لأنه أخيراً وجد ما كان يبحث عنه، ووجد بجانبه الفئران وقد ظهر عليهم مظاهر الشبع. في ذلك الحين بدأ هاو يتأمل في تجربته وبعد أن انتهى من الأكل أخذ يفكر في العودة إلى صديقه، لكنه قرر في النهاية أن يدع صديقه يجد طريقه بنفسه. وبعد وقت طويل وصل اليه صديقه وبدا على ملامح وجهه الذبول والشحوب. فأيقن هاو إلى أي مدى قد وصل منذ أن كان برفقة صديقه هيم في محطة الجبن (أ)، كما أدرك أنه من السهل أن يعود إلى ما كان عليه لو أفرط في الراحة. فكان يقوم كل يوم بتفقد الجبن في محطة الجبن (ب) ؛ كي يطمئن إلى مخزون الجبن فيها، وكان على استعداد ليفعل أي شيء كي لا يتفاجأ بأي تغيير لم يضعه في الحسبان .

 

هذه هي نهاية القصة.. وربما تكون بداية جديدة لإدارة التغيير في حياتنا وعملنا…

 

الدروس المستفادة من القصة:

 

أولاً: توقّع التغيير

التغيير سيحدث لا محالة بأي وقت وفي أي صورة وبأي شكل من الأشكال (قطع الجبن تتحرك باستمرار)، وأفضل طريقة لمواجهة رياح التغيير العاتية هي بالاستعداد لها وتوقعها ووضع خطة للتعامل معها حال حدوثها.

 

ثانياً: التكيّف مع التغيير:

انكار التغيير وعدم استيعابه أو مواجهته، ليست هي الطريقة المثلى للتعامل مع التغيرات المتتالية. بل المضي قدماً هو الحل الوحيد لمواجهة طوارئ التغيير (كلما أسرعت بالتخلص من الجبن القديم، استطعت أن تستمتع بالجبن الجديد)

 

ثالثاً: تغيّر واستمتع بالتغيير:

يجب على المرء الايمان بضرورة التغيير، والاستمتاع برحلة التغيير واعتبارها مغامرة وفرصة جديدة للبدء بمرحلة مختلفة من الحياة. كما أن التمسك بالإيمان والثقة بالله تعالى في تخطي كافة العثرات التي تواجهنا، قد يفتح لنا أبواب أخرى للخير لا ندركها. فالمهم هو كسر حاجز الخوف والتوكل على الله لمواجهة مخاوفنا تجاه التغييرات.

 

أخيراُ، ننصح وبشدة كل من يحاول مقاومة التغيير في الحياة او العمل، قراءة هذا الكتاب الممتع الذي يعد بمثابة الطريق لتحفيز الأشخاص على التغيير، كما يعّد دليل ارشادي وطريقة مدهشة للسير بأمان في أوقات التغيير.

 

عبارات ذهبية مستقاه من القصة:

  • التحرك في اتجاه جديد يساعدك في العثور على جبن جديد.
  • عندما تتجاوز الخوف الكامن بداخلك تشعر بأنك حر.
  • لكيلا تفنى ابحث عن قطعة جبن جديدة.
  • لكي تحصل على قطعة جبن جديدة لا بد أن تتخلص من جبنك القديم.
  • ولكي تحصل على جبن جديد يجب ان تكسر حاجز الخوف بداخلك. اكسر حاجز الخوف واستمتع با البحث والمغامرة لأنك حتما ستلقى ما هو أفضل مما أنت عليه.
  • تأكد أن اكتشاف الإنسان لذاته أهم من اكتشاف الجبن.
  • عليك أن تطلب من الآخرين أن يتغيروا لكن لا تحاول إجبارهم على ذلك فمن لا يتغير من الداخل لا يتغير أبدا. تغير أنت.. قبل أن تحاول تغيير الآخرين.

 

    بقلم /د. أميرة عبد الرحمن برهمين