ماذا تعنيه «رؤية 2030» للقطاع الصحي؟ «1»
بقلم د. عبد الوهاب بن عبد الله الخميس
مجلة الجوده الصحية _دينا المحضار
ليس دورنا تغيير النظرة المختلفة لدى البعض لأنها جزء من الطبع البشري في الحكم على الأمور. فالبعض السلبية تستشري في دمه حتى لو رأي الحقائق ساطعة كالشمس في رائعة النهار. النظرة الإيجابية هي المحرك لإحداث تغيير في أي مجتمع فضلا عن أنها مطلب شرعي وعلمي ووطني. فالسلبية والنقد غير البناء لا يسهمان إطلاقا في بناء مجتمع أو إحداث تغيير إيجابي. لكن القاعدة الإدارية في مثل هذا السياق تكمن في أن القافلة تسير والكلاب تنبح.
وحتى تكون الإجابة علمية وبعيدا عن العاطفة في الحكم على الأمور وإن كانت العاطفة مطلوبة وأحد أهم المحفزات التي تسهم في تحقيق الإنجازات لكنها حتما لا يمكن التعويل عليها وحدها. سأكتفي بالإشارة إلى أمر واحد يعطي لمحة سريعة وعلمية لسبب تفاؤلنا برؤية 2030. هذا الأمر متعلق بإعادة آلية اعتماد الميزانيات. ولعلي أذكر الجانب الصحي كنموذج. فالرؤية تشجع على الفصل عند اعتماد الميزانيات الصحية بين مشتري ومقدم الرعاية الصحية. وقد كتبت عن الموضوع نفسه عام 2006 في عدة مقالات في هذه الجريدة، كما نشرت مقالا علميا حوله في مجلة علمية متخصصة عام 2013 وكان عنوانه Financing healthcare in Gulf Cooperation Council countries: a focus on Saudi Arabia” في مجلة The International Journal of Health Planning and Management.
هذا الفصل بين مقدم ومتلقي الرعاية الصحية مهم جدا لرفع كفاءة الأداء وتقليل الهدر الكبير في الميزانيات الصحية. قد يقول غير المختص في مجال تمويل الخدمات الصحية، ما انعكاس هذا الفصل على الخدمات التي أتلقاها كمواطن بسيط بعيدا عن النقاش الفلسفي أو العلمي الذي لا يعنيني بالضرورة أو يشكل لي أولوية؟
الواقع المعاش حاليا يخبرنا أن هناك عزلا واضحا بين مخصصات الميزانية السنوية وبين نصيب الفرد أو المواطن منها. لذا تجد أن المستشفيات قد لا تتنافس في زيادة أعداد المرضى أو مدى استثمار ميزانياتها بصورة صحيحة لأن هذه الأرقام غير معتبرة عند اعتماد الميزانية السنوية من قبل وزارة المالية بل العكس هو الصحيح. فنمط الميزانية الحالي يشجع على زيادة الهدر المالي لأنها الطريقة الأسرع في زيادة الاعتمادت المالية. لذا تجد المستشفيات تضع مشاريع صحية لكن لا يستفيد منها إلا أعداد محدودة من السكان بسبب أن بعض الأطباء يرضي غروره الطبي على حساب أولوية الإنفاق الصحي. فمثلا تجد مراكز متخصصة لعلاج حالات صحية نادرة من أجل تحقيق إنجازات شخصية وإعلامية على حساب صحة المواطن. فبعض الحالات الصحية تكلف الدولة مبالغ طائلة لكن لو تم علاجهم في الخارج لكان أوفر وأفضل من إقامة مشاريع تهدف لتنافسية سلبية بين المستشفيات والقطاعات الصحية المختلفة ومن ثم زيادة الإنفاق في رعاية تخصصية لا تخدم الشريحة الأكبر من السكان. لا أعتقد أننا تجاوزنا مرحلة إثبات قدرة أطبائنا على إجراء عمليات معقدة لأن الطبيب السعودي لدينا من أفضل الأطباء مهنيا وتأهيلا لكن يحب أن ننتقل لمرحلة تحقيق الأهداف الصحية وفقا لأوليات الإنفاق بمعنى الانتقال من مرحلة إثبات الذات لتحقيق الذات.
فنحن نستثمر أموالا طائلة لعمليات محدودة الأثر على مستوى المستفيدين منها ومعقدة ومكلفة، بينما في الجانب الآخر نجد أن فئات كبيرة من موظفي الدولة لا يتلقون الرعاية الصحية التي يستحقونها. فمثلا نجد أن المدرسين يعانون في كيفية حصولهم على الرعاية الصحية، بينما نجد أن العاملين في الوزارات الحكومية الأخرى أفضل حالا بسبب أن نصيب المدرسين من الميزانية الصحية السنوية أقل بكثير من نصيب العاملين في القطاعات الحكومية الأخرى كالحرس الوطني ووزارة الدفاع والداخلية والهيئات الحكومية الأخرى التي لديها مستشفياتها الخاصة. لذا نجد أن العاملين في قطاعات وزارة الحرس الوطني أو الدفاع أو الداخلية أو غيرها من القطاعات لديهم آلية واضحة في كيفية حصولهم على الرعاية الصحية مع جودة معقولة نسبيا.
ومن هنا نسمع أن أرقام الميزانيات الصحية عندما تضاعفت لم يكن لها انعكاس حقيقي على الخدمات الصحية بشكل مباشر خصوصا لدى الشريحة الأكبر من القطاعات الحكومية التي ليس لديها مستشفيات خاصة بها. لذا فإن الإنفاق وفقا لمعادلة per capia مهم جدا في ضمان تحقيق العدالة في الصرف على الخدمات الصحية. ففصل مشتري ومقدم الرعاية الصحية سيحقق معادلة العدالة في نصيب الفرد في الإنفاق الحكومي.