تطبيق التأمين الصحي .. وقارب النجاة لإصلاح الواقع الصحي
بقلم / د. عبد الوهاب بن عبد الله الخميس
البعض يعتقد أن تطبيق التأمين الصحي على المواطنين بمنزلة قارب النجاة لإصلاح الواقع الصحي. فمن جهة تحدث البعض أن سر تطوير نظامنا الصحي يكمن في إعطاء الناس بطاقات للتأمين الصحي. وكأن بطاقة التأمين الصحي هي الكرة السحرية القادرة على إصلاح عور واقعنا الصحي. وفي الجهة الأخرى تحدث البعض على أن التأمين الاجتماعي هو قارب النجاة لإصلاح النظام الصحي السعودي وكأنه بمجرد التحول نحو هذا النظام الصحي ستتطور الخدمات الصحية لدينا بصورة مذهلة، ومن زاوية أخرى دعا البعض إلى تفعيل التأمين الصحي الوطني وكأنه الضمانة نحو تحقيق الرفاهية الصحية.
هذه الآراء وغيرها قد نحترمها على المستوى الشخصي وهي بلا شك آراء مهمة عند تقييم فعالية وأداء أي نظام صحي. فأخذ آراء المستفيدين من الخدمات الصحية خطوة أولية مهمة في إصلاح أي نظام صحي، لكن اعتبار آراء المستفيدين شيء ووضع استراتيجية وطنية شيء آخر. الغريب أننا قد نتقبل نقد مشجعي الأندية في إطار محدد لكن لا يمكن تقبل آرائهم في خطط المدرب أو في اختبار اللاعبين لأن هذه القرارات لها ارتباطات أخرى متعلقة بالجوانب المالية والفنية التي هي مسؤولية إدارات الأندية ومدربيها على وجه الخصوص، بل لا يحق للاعبي الأندية التدخل في خطة المدرب والكيفية التي من خلالها يوظف لاعبي الفريق. فاللاعبون المحترفون حتى ذوي الخبرة لا يمكنهم بالسهولة العمل كمدربين ألا بعد الحصول على دورات تأهيلية لأن الخبرة في الملاعب ليست مؤهلا كافيا لأن يصبح اللاعب مباشرا مدربا للفريق مع كل التقدير لخبرته الطويلة في الملاعب.
هذه الحقيقة قد نتقبلها في المجال الكروي لكن القطاع الصحي على الرغم من تعقيداته فالكل أصبح مختصا في النظم الصحية بل أصبح من المسلم به أن كل من يعمل في القطاع الصحي منختص في النظم الصحية. من المؤسف أن الخبرة الإكلينيكية في المستشفيات أصبحت مؤهلا كافيا لأن يصبح الطبيب أو الإخصائي مختصا في النظم الصحية أو الآليات التي تحقق حصول المواطنين على الرعاية الصحية التي يستحقونها. كما أنه من المؤسف أيضا أن البعض يتحدث بحماسة شديدة عن أهمية تطبيق التأمين الصحي التجاري أو الاجتماعي أو الوطني ولم تتجاوز قراءته كتابا أو مقالا أو مادة في مرحلة الماجستير أو البكالوريوس. الأسوأ من ذلك كله أن يكون إعجاب المتحدث أو الكاتب بنظام صحي ما بناء على زيارة لأحد مستشفيات أو بسبب تلقيه تدريبا طبيا أو فنيا فيها. ومن المعلوم أن بناء الأنظمة الصحية يتم من خارج المستشفى وليس من داخله.
أعود للموضوع مرة أخرى وأقول لا يستطيع أحد الادعاء أن كل الدول التي طبقت التأمين الاجتماعي حقق لها هذا النوع من التأمين رفاهية اجتماعية وضمن حصول الناس على الرعاية الصحية بجودة معقولة، كما لا يمكن الادعاء أن كل الدول التي طبقت التأمين الصحي الوطني حقق لها هذا التحول التطور المراد لها. لذا نجد أن دولا انتقلت من التأمين الاجتماعي للتأمين الوطني والعكس صحيح. بل إن أغلب الدول التي تحولت للنظام الصحي الوطني كانت في الأساس دولا غربية كالدنمارك واليونان وآيسلندا وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا، بينما نجد 14 دولة من دول أوروبا الشرقية والوسطى (كانت شيوعية) تحولت لنظام التأمين الاجتماعي ما بين عامي 1995 و2004.
القاعدة العامة في هذا السياق أنه لا يوجد ما يسمى النظام الصحي الأفضل. فالمؤثرات على النظم الصحية متعددة وليست مقصورة فقط على وسيلة تمويل الخدمات الصحية. بدليل أن التحديات التي تواجه الدول التي تطبق النظام الصحي الوطني كالدنمارك مثلا لا تختلف عن المشكلات التي توجهها أنظمة صحية مختلفة عنها كألمانيا أو الولايات المتحدة التي تكمن في ثلاثة تحديات رئيسة: ارتفاع التكلفة العلاجية، ونقص في أعداد العاملين في القطاع الصحي مع ارتفاع أعداد كبار السن. بل إن معظم الدول تمول خدماتها الصحية عبر أكثر من طريقة وليست فقط بالطريقة التقليدية، بل إن المتأمل للأنظمة الصحية الحديثة يجد أنها متداخلة بصورة تجد أنها تمثل أكثر من نظام في وقت واحد hybrid systems.
لذا لم تتبن منظمة الصحة العالمية نظاما صحيا موحدا وإنما ركزت على محددات تؤثر في نجاح النظام الصحي سواء كان اجتماعيا أو وطنيا ودعت الدول إلى تطبيق التغطية الصحية الشاملة universal Health Coverage لأنه بالإمكان تطبيقها سواء كان التأمين اجتماعيا أو وطنيا. لكن بلا شك أن المنظمة أشارت إلى أهمية وضع استراتيجية لشراء الخدمات الصحية التي يتم من خلالها فصل مقدم ومشتري الرعاية الصحية. كما أنه بالإمكان إيجاد تنافس إيجابي بين مقدمي الرعاية الصحية في كلا النظامين “الوطني والاجتماعي”، كما يمكن أيضا وضع خيارات متعددة للمستفيدين من الخدمات الصحية في كلا النظامين وغيرها من التفاصيل المهمة والمؤثرة في تقديم الرعاية الصحية ورفع جودتها. كما أن مشكلة قلة أعداد الأسرة أو أعداد الأطباء لكل عشرة آلاف نسمة من السكان لا يمكن إصلاحها بمجرد التحول للنظام الصحي الاجتماعي أو الوطني لأن المشكلة ستظل قائمة في كلا النظامين إذا لم يتم النظر للجوانب الأخرى المهمة والمؤثرة في فعالية أي نظام صحي.
الخلاصة يجب ألا تكون الأولوية مقصورة في تبني نمط للتأمين الصحي “اجتماعي، أو وطني” لأن مسمى النظام الصحي لم يكن كفيلا بتطوير أي نظام صحي، لكن ما يجب التركيز عليه تفاصيل النظام الصحي الذي نسعى لتطبيقه، وما محفزاته وخياراته ومحدداته وسياساته الصحية بما في ذلك وسائل تمويله؟.