حمامة الصحة لا تطرب!
بقلم / محمد السنان
مجلة الجوده الصحية – دينا المحضار
مرت على وزارة الصحة في السنوات الأخيرة موجة من التحديات المتتالية، دعوني أصحبكم برحلة قصيرة عبر التاريخ لسردها، بداية بكورونا فاعفاء الدكتور عبدالله الربيعة، ثم فترة انتقالية مع وزيرٍ مكلف قد يكون له ايجابياته ولكنه لم يخلو من السلبيات، أتى المهندس فقيه جالباً معه الكثير من الكوادر من خارج الصحة، بالإضافة إلى الشركات الاستشارية على رأسهم ( ماكينزي )، وصُرفت الكثير من المبالغ على الاستشارات واستقطاب كوادر بعضها أضاف الكثير للصحة لا أحد ينكر ذلك، ولكن احتوت كوادره الكثير من عديمي الخبرة بالصحة ولم يضيفوا للصحة بل أخذوا منها فقط، و تم تهميش قيادات الصحة المتواجدة بين جنبات الوزارة من نوابٍ للوزير إلى مدراء الشؤون الصحية بالمناطق والمحافظات، وتم وضع مجهوداتهم كلها أمام مركز القيادة والتحكم بقيادة الشاب اليافع العائد من الابتعاث ذو الخبرة القليلة، ثم ما أن تم تعيين الدكتور ال هيازع حتى انشغلت الوزارة بقياداتها القديمة لاستبعاد واقصاء من لم يرحل من تلقاء نفسه مع عرابه الوزير المكلف، وبعضهم غادر تاركاً مشاريع متعثرة خلف ظهره دون أي تضحية لأجل المريض، واستمرت الأسابيع القليلة التي قضاها ال هيازع كشخص اجتاحت بيته عاصفة و انشغل بترميمه فقط، ثم فجعت الأمة الإسلامية والعربية برحيل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، وحدثت تغييرات وزارية كان للصحة نصيبا منها فتم تكليف من لم يعرفه أحد سابقاً في الصحة !! الأستاذ أحمد الخطيب الاقتصادي الذي لم يكمل أشهر قليلة حتى اتضح عدم قدرته على استيعاب الجمهور، فلم تكن في فترته أي تغييرات مذكورة، ثم مرت الوزارة بفترة من الركود مع الوزير المكلف آل الشيخ والذي لم يترك أي بصمة و لم يظهر إعلامياً، وبعدها جاء تكليف الوزير الفالح والذي استمر لمدة عام كامل، لم يختلف أسلوبه كثيرا عن نهج المهندس فقيه في استقطاب الكوادر الخارجية وخصوصا الخبرات الأرامكوية، فجعلهم في كل مكان حوله وكأنه يخاف من موظفي الصحة المصابين في نظر البعض بفايروس الفساد والكسل!! وجلب الشركات الاستشارية أيضاً وانفق ما انفق على ذلك و رواتب فلكية للأصدقاء المستقطبين، عذراً أعني للخبرات المستقطبين، ثم قام بجلب شركة أجنبية لتقييم المرشحين للمناصب القيادية، واختبارات لم يكن القائمين عليها ملمين بالأنظمة الصحية بالمملكة، وكأن كل الكفاءات السابقة بوزارة الصحة، و أساتذة الكليات الطبية بالمملكة لا يوجد بينهم من يستطيع تقييم المرشحين !! وعلى الرغم من هذه القناعة خرج معاليه بتصريحه الرنان ( سوف تكون المملكة من الدول المصدرة للخدمات الصحية ) ونلتمس له العذر فقد كان يدير مجلس إدارة ارامكو في ذات الوقت فوقع لديه لبس بين النفط والصحة، عام كامل كانت فرصة المهندس الفالح كي يفلح في الصحة ولكن !! ولعلنا نقف عند تجربة المهندس الفالح خلال عام كامل في الصحة، كان بها الكثير من الاستقطاب للكوادر الأرمكوية البيت الأول والأساس للمهندس الفالح، بالإضافة إلى القليل من الكوادر الجامعية والتي منها من أضاف الكثير كما في فترة المهندس فقيه، ولكن منهم الكثير ما أن غادر الفالح حتى رحل معه، وأتحفظ على المتقاعدين من جهات أخرى أصحاب الرواتب الفلكية دون إنتاج يوازي ذلك، عام كامل اعتمد فيه الفالح على غير كوادر الصحة الذي لا زال البعض يتغنى بأنهم أهل الفساد وسبب المشاكل!! ماذاأنجز معاليه ؟!! خرج بنقمة الموظفين و مرضى لا زالوا يستجدون العلاج والخدمات الصحية المرجوة، اختصر حصيلة العام على لسان معاليه في أحد مقاطع الفيديو بعد إعفائه واصفاً فرحة موظفين الصحة برحيله وهو يضحك فرحةً بذلك !! ( الحين الصحة يكسروا دلال )، وبعد هذا أتت البشرى عندما تم تكليف الوزير المحبوب لدى الشعب بحقيبة الصحة معالي الدكتور توفيق الربيعة، والذي شهدت وزارة التجارة بانجازاته وحمايته للمستهلك، وتفائلت به شخصياً كما تفائل الكثيرون ممن يراقب الوضع الصحي بالمملكة، وكانت بداياته مبشرة بالخير في جولاته التفقدية وابتعاده عن البروتكولات وصرف المستحقات المتأخرة للكثير من الموظفين، كما نجح في بداية التحول إلى الوزارة الإلكترونية الحلم الذي طال إنتظاره، وأيضاً فرح الكثيرون بتعميم *إرجاع الأطباء لعياداتهم وهذا بحث عن التخصصية في العمل ووضع كل شخص بتخصصه، وهذا توجه يشكر عليه ولكن ماذا يرى معاليه ( التخصصية ) أهي الخبرة أم الشهادة ؟!! فإن كانت الخبرة فلا منفذ له على أغلب الأطباء والفنيين فأغلبهم أصبحوا أهل خبرة في إداراتهم، ولكن إن كان يتحدث معاليه عن الشهادة والمؤهل فهناك علامة تعجب في بعض التكليفات أو الاستقطابات إن صح التعبير،لا أعتقد أن معاليك يفوته الفرق بين تخصص الطب والجراحة وبين التخطيط والموارد الذاتية!! ولا يفوته الفرق بين جودة المصانع و الجودة الصحية !! ولا الفرق بين الاعلام العام والاعلام الصحي !! ولا الفرق بين توعية المستهلك والتوعية الصحية !! والفرق الأهم بين الإدارة العامة والإدارة الصحية، والتي يقوم الكثير من المستقطبين غير المختصين بمحاربتهم وتهميشهم كون وجودهم أولى من وجوده، وكما حاربهم بعض الأطباء المغرمين بالإدارة في السابق كي لا يقاسموهم المناصب، معالي الدكتور الربيعة إن ما يتغنى به الكثير بأن عدداً كبيراً من الممارسين الصحيين يعملون في غير تخصصاتهم لا يختلف كثيرا عن ما يحدث الان وعلى مستوى عال أيضاً، يجب أن يكون النظام على الجميع معاليكم، وما ترونه غير مسموحٍ على موظفي الصحة فلا استثناء لمن أستقطبتم أم كلفتم، ومن باب الجودة في اختيار القيادات نطالب معاليكم بالتعامل بأسلوب مؤسسي فلا يكلف شخص بناء على قرار فردي، وإنما يعرض على مجلس تقييم يحدد أهليته لما تم اختياره له، انتهينا معاليكم من زمن التجارب وهذه الوزارة عانت ما يكفي من التجارب المريرة، إن ما يتم الآن ليس ببعيد عن ما انتهجه المهندسان فقيه والفالح، فصنعوا فجوة كبيرة وتحزبات أنهكت جسد الصحة،الصحة لم ولن تنجح إلا بأيدي أبنائها أصحاب هذا البيت، أما جميع من يتم استقطابهم هم كالمستأجر مهمها كان اهتمامه فلن يكن كصاحب البيت الذي سيعيش فيه طويلاً، أين أغلب من استقطبوهم الآن؟!! أتوا ومنهم من عمل خيراً و منهم من لم يعمل شيئاً سوى استلامه لراتبه الفلكي، والان عادوا من حيث ما أتوا وبقي ابن الوزارة الذي تحملها في شدتها ورخائها، وأبسط التضحيات ما قدمه أبناء الصحة عندما تأخرت مستحقات البعض من بدلات و تكليف الأعياد، ولم يثنهم ذلك عن التفاني في خدمة المرضى، و لكن ماذا فعل البعض من المستقطبين عند رحيل الوزير الذي اتفق معه على رواتب عالية !! ماذا فعل أطباء الجامعة بمستشفى شرق جدة عند تأخر صرف مستحقاتهم !! والكثير الكثير من الأمثلة…
ختاماً معالي الدكتور توفيق لن يكون التوفيق إلا بأبناء هذه الوزارة، ولا بأس إن استعنت بالبعض في تخصصاتهم الغير صحية، ولكن أن تعتبرها وزارة تجارة أخرى فأنت مع كل احترامي لمعاليك مخطئ، فلم ولن تكون صحة الإنسان تجارة ولا سلعة تتحمل المفاوضة والتعويض، وتذكر أن موظف الصحة هو الترياق لجسد الصحة المريض.
ختاماً معالي الدكتور توفيق لن يكون التوفيق إلا بأبناء هذه الوزارة، ولا بأس إن استعنت بالبعض في تخصصاتهم الغير صحية، ولكن أن تعتبرها وزارة تجارة أخرى فأنت مع كل احترامي لمعاليك مخطئ، فلم ولن تكون صحة الإنسان تجارة ولا سلعة تتحمل المفاوضة والتعويض، وتذكر أن موظف الصحة هو الترياق لجسد الصحة المريض.
محمد السنان – جدة
كاتب مهتم بالتوعية المجتمعية وتطوير الخدمات الصحية
@5rbshatsinan *