تكرار غير صحي بالصحة
بقلم / محمد السنان
الصادره من صحيفة بث الالكترونيه
مجلة الجوده الصحية _ دينا المحضار
اتساع الرقعة الجغرافية للمملكة العربية السعودية يجعل القطاعات الحكومية بشكل عام تحت صعوبة إدارة هذه التشعبات بالمركزية الإدارية التي تحكمها، وخصوصا القطاعات الخدمية منها كالصحة والتعليم والتجارة وغيرها، وتزداد صعوبة إدارة هذه القطاعات بالنهج المركزي القديم، ويزيد الصعوبة وجود بعض التكرار في العمل في بعض المناطق الإدارية التي تضم محافظات كبرى ضمن نطاقها الإداري، ولنأخذ القطاع الصحي على سبيل المثال، فنجد إن الوزارة قد جعلت لها مديريات متفرقة في أنحاء المملكة لإدارة هذه المنظومة الضخمة من الخدمات الصحية، فقامت بوضع 13 مديرية عامة بمناطق المملكة ال 13 بالإضافة إلى 7 مديريات بالمحافظات الكبرى، ليكون المجموع 20 مديرية للشؤون الصحية عبر المملكة، ولم يكن قرار وضع مديريات في المحافظات الكبرى من فراغ أو دون تخطيط، فمحافظات بحجم الأحساء والطائف وجدة ذات نطاق واسع وعدد كبير من المستشفيات والمراكز بحاجة لإدارات مستقلة عن المناطق، ولكن مع الأسف لم يتم تطبيق هذا التوجه بالشكل الصحيح فأصبح عبء إضافي على كاهل الصحة، فارتباط هذه المديريات بالمحافظات إداريا وفنيا بمديريات المناطق جعل هناك تكرار في العمل وهدر للموارد والجهد، بالإضافة لطول الإجراءات في بعض الأمور الهامة، فأصبحت الإدارات بمديريات المحافظات تقوم بعمل*ما أو جولة لتأتي إدارة بذات المسمى من مديرية المنطقة التي تتبع لها المحافظة للقيام بنفس العمل أو الجولة، وأيضا الكثير من الأمور التي تمر من خلال هذا التشعب الإضافي إما من إدارة المنطقة نزولا للمحافظة وإما العكس صعودا، فأصبحت مديريات بعض المناطق ما هي إلا حلقة وصل بين المحافظات و الوزارة وبطريقة بطيئة تؤثر على جودة العمل، وتداخل الصلاحيات بين متخذي القرار هنا وهناك، فعندما نشاهد محافظات كبرى بحجم الطائف وجدة والقنفذة والعاصمة المقدسة كلها تحت إدارة واحدة فهذه مركزية قاتلة لعدد كبير من المستشفيات والمراكز، وقد تتضرر المحافظات عندما توضع إداراتها بكل كفاءاتها تحت إدارة شخص واحد قد لا يكون مؤهل لذلك فيقتل الابداع والانجاز بمحافظات نشيطة بسبب انشغاله بالاهتمام بمدينة ما أو محافظة على حساب أخرى.
وقد تحدث الكثير في فترة ما عن إدارة الصحة على شكل قطاعات صحية خمسة مقسمة بوسطى وشرقية وشمالية وغربية وجنوبية بصلاحيات وزير، ولاقى هذا المقترح الكثير من التأييد من المختصين أثناء طرحه ونقاشه، وقد يكون هذا الأمر ناجحا جدا عند وضع أشخاص مناسبين لذلك وكفاءات كبيرة على قدر من الخبرة والمسؤولية لقيادة هذه الدفات الصحية في أنحاء المملكة، أما بالوضع الحالي فالأولى أن تفصل المحافظات في إداراتها عن المناطق جملة وتفصيلا، وترتبط بالوزارة مباشرة لما يعطيها ذلك من استقلالية وسرعة في انجاز الأمور، ونستطيع أن نبحث في جودة العمل ودراسة سرعة إنجازه بالمحافظات مقارنة بالمناطق، فلكم أن تتخيلوا كيف أن معاملة قد تخرج من موظف لمدير مستشفى إلى مدير إدارة بالمديرية إلى مدير الشؤون بالمحافظة ثم تعود بنفس الطريق، وبين معاملة قد تذهب لنفس الطريق بالإضافة إلى مدير ذات الإدارة المعنية بالمنطقة ومدير الشؤون بالمنطقة وصادر و وارد بالمديريتين!! أضف لذلك تراكم الكم الهائل من المعاملات على مكتب مدراء العموم للمناطق التي تحتوي على محافظات كبرى ومتى ينجزها!!
كل هذا التكرار والتعقيد في العمل يؤدي لضعف في الأداء، وتأخر في الإنجاز وهدر في الموارد، وعندها تضيع المسؤولية فترى ( مثلا ) بعض إدارات المحافظات يلقي لوم التأخير والانجاز على إدارة المنطقة، وفي ذات الوقت مدير المنطقة يلقي باللوم على إدارات المحافظات ويتهم من تحته بالتقصير، وفوق هذا كله قد يتفاخر بنجاح مستشفى يتبع لإدارته ويقارنه بتدهور مستشفيات أخرى تتبع للمحافظات التي يديرها وكأنها ليست تابعة له، فكل هذه الأمور يمكن تلافيها بحل واحد فقط وهو جعل المديريات ال 20 كلها بنفس الصلاحيات وتتبع مباشرة لمقام الوزارة إداريا وفنيا، وذلك منعا للتكرار غير الصحي بالجهد والعمل، والهدر المالي أيضا في الإنتدابات والمهمات التي تصرف في ذات المنطقة بشكل مبالغ فيه لمتابعة العمل، وأثبتت القراءات للمديريات حاليا كفاءة عالية لدى بعض مدراء المحافظات وأخلاقهم ومدى نضج إداراتهم أكثر من المناطق التي تديرها، فأعطوا هذه المحافظات الحرية للانطلاق والانجاز والخروج من تحت مظلة بعض المناطق .
محمد السنان
كاتب في المجال الصحي
@5rbshatsinan