بقلم/ د. عبد الوهاب بن عبد الله الخميس

الصادره من صحيفة الاقتصاديه

مجلة الجوده الصحية – دينا المحضار 

 

لا شك أن صدور أول ميزانية بعد الإعلان عن برنامج التحول الوطني 2020 يدفعنا للنظر لها بصورة مختلفة لأنها تعطي دلائل على مدى جدية الحكومة وسعيها لتحقيق أهدافها التنموية. المطلع على ميزانية العام المقبل يشعر بعظم التحديات التي واجهت الحكومة من أجل أن تخرج بميزانية متحفظة وطموحة في الوقت نفسه، كما أن المطلع يدرك أن ميزانية 2017 وازنت بين ترشيد الإنفاق وتحجيمه أحيانا وبين دعم الإنفاق في المشاريع التي تسهم في تحقيق “رؤيتها 2030” وبرامجها التي تسعى من خلالها إلى تحقيق رؤيتها التي من أولها برنامج “التحول الوطني 2020”. لذا فهي ميزانية ذكية تميز بين أولوياتها وإنفاقها؛ فتجد أنها لم تعط أولوية في إنفاقها على البرامج التي لا تتوافق مع رؤيتها، لكنها دعمت بسخاء برامجها التي تتقاطع مع أهدافها التنموية، كما أن هناك شعورا بالتفاؤل من جهة ممزوجا بالإحساس بتحديات قد تواجه تنفيذ بعض هذه البرامج الطموحة.

أما الشعور بالتفاؤل فمنبعه التفاؤل بنمو الاقتصاد العالي بصورة أفضل لعام 2017 عما كان عليه خلال السنتين الماضيتين حسب تقرير صندوق النقد الدولي. فنسبة النمو العالمي كان في حدود 3.1 في المائة عامي 2015 و2016، بينما من المتوقع أن النمو سيصبح في حدود 3.4 في المائة عام 2017. هذا النمو سيؤثر حسب التقديرات على أسعار النفط لتصبح في حدود 50.6 دولار بدلا من 43 دولارا عام 2016، وبناء عليه فإن منظمة أوبك تتوقع أن يزيد معدل الطلب العالمي على النفط ليصبح 95.3 مليون برميل يوميا بدلا من 94.2 مليون برميل يوميا لعام 2016.

كما أن الشعور بالتفاؤل منبعه أن الإيرادات غير النفطية خلال السنتين الأخيرتين وصل 200 مليار ريال بعد ثبات لآخر خمس سنوات. فالإيرادات غير النفطية شكلت 38 في المائة من إجمالي الإيرادات عام 2016، ولعل هذه الأرقام تعطي مؤشرا إلى رغبة ونجاح للحكومة في تقليل الاعتماد على النفط خلال الأعوام القادمة، ولعل السنوات الثلاث المقبلة تعطي مؤشرا أكبر نحو هذا التوجه ومدى الالتزام بتحقيق أحد الأهداف التي تسعى الحكومة لتحقيقه بإلغاء العجز بحلول 2020.

على الرغم من أن العجز المالي لميزانية هذا العام وارتفاع الدين العام إلى 316.5 مليار ريال، لكن هذا الأمر لم يغير سياسة والتزام المملكة بأولوية التعليم في الإنفاق؛ لذا بلغ ما خصص للتعليم ميزانية 200 مليار ريال، هذا المبلغ سيدعم تنفيذ مشاريع جديدة وتنفيذ مشاريع قائمة. فمثلا سيستثمر جزء من هذا المبلغ لتنفيذ مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام وإكمال تأهيل كليات البنات في عدد من الجامعات ودعم الابتعاث الخارجي وغيره من المشاريع سواء في قطاع التعليم العام أو الجامعي.

كما تضمنت ميزانية هذا العام ولأول مرة بندا يتعلق بمبادرات تحقيق “رؤية 2030” التي خصص لها 42 مليارا لعام 2017 بدلا من تسعة مليارات ريال عام 2016. ومن المتوقع أن يتم تخصيص مبلغ 217 مليارا ما بين عامي 2018 و 2020. كما سيشهد عام 2017 تنفيذ مشاريع مهمة للمواطن كجزء من مبادرات التحول الوطني منها برنامج الضمان الصحي وشراء الخدمات الصحية في وزارة الصحة ومبادرة مركز الخدمة الشاملة الموحدة لدى وزارة التجارة والاستثمار، النفاذ الإلكتروني الموحد (بوابة سعودي) في وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، إنشاء مراكز الخدمات الشاملة وزارة العدل، تنظيم سوق الإيجار والقرض المعجل في وزارة الإسكان.

من أهم التحديات التي قد تعوق تحقيق التنمية ليست سياسة الترشيد في الميزانية السنوية للدولة لكن في كيفية قياس ترشيد الإنفاق ومكافحة الفساد الذي يعتبر العائق الأكبر في التنمية لكل مجتمع.

تحقيق التوازن المالي في الإنفاق أسهم في خفض العجز المالي للميزانية هذا العام، وسيسهم في إيجاد توازن حقيقي وبناء ثقة بمتانة وقدرة الاقتصاد في تجاوز التقلبات الاقتصادية والنفطية على وجه الخصوص.