10 آلاف سرير فعلاً !!
بلغ اجمالي عدد سكان المملكة التقديري أكثر من 31 مليون نسمة، وبلغ عدد أسرة مستشفيات وزارة الصحة ما يقارب 41 الف سرير أي ما يعادل 13.1 سرير/10 الاف نسمة، في حين أن القطاعات الصحية الأخرى الحكومية والخاصة تغطي ما يقارب 9 أسرة /10 الاف نسمة، فيصبح معدل الأسرة في جميع مستشفيات المملكة ما يقارب 22 سرير/ 10 الاف نسمة، وهو ما يعتبر معدلا جيدا نوعا ما مقارنة بالدراسات العالمية ولكن..! في الاحصائيات التي تمت في المملكة هل تم الأخذ بعين الاعتبار الأسرة التخصصية والعناية المركزة والطوارئ، وكذلك أسرة مستشفيات النقاهة ذوي الإقامة الطويلة، والتي لا يحدث لها تدوير بين المرضى بشكل مناسب؟!! والأمر الآخر الذي يجب ملاحظته ارتفاع معدل الأسرة في مناطق مقابل انخفاضه بمناطق أخرى، مثال على ذلك المعدلات المنخفضة للرياض بـ 10 أسرة /10 الاف نسمة، وجدة بـ 7.4 أسرة /10 الاف نسمة، وعلى الجانب الآخر ارتفاع المعدل لمناطق أخرى كالجوف مثلا بـ 38 سرير /10 الاف نسمة، والحدود الشمالية بـ35.7 سرير/10 الاف نسمة، ومع ذلك لم يؤثر الارتفاع في تلك المناطق على تحسن مستوى الخدمات الصحية بشكل إيجابي!!
يعود تدهور الخدمات الصحية في بعض المناطق رغم توفر الأسرة إلى عوامل عدة، لعل من أهمها عدم توفير احتياجات السرير من الكادر الطبي المتخصص والأساسي، وأيضا عدم توفر الخدمات الطبية المساندة اللازمة من أشعة ومختبرات متقدمة، وتأهيل وتمريض متخصص، وقد يعود نقص الكوادر الطبية إلى أمرين أساسيين أولهما ضعف الإدارة لتوجيه القوى العاملة وتوزيعها بالشكل الصحيح حسب الاحتياج الفعلي، واستمرار ارتكاز هذه الكوادر في المستشفيات الرئيسية للمدن الكبرى، والأمر الآخر يعود لعدم توفير البيئة الاجتماعية المناسبة لاستقطاب القوى العاملة من داخل وخارج المملكة للعمل في تلك المناطق، وافتقارها للمدارس العالمية والمطارات الدولية والمرافق العامة التي تساعد على وجود بيئة مهيأة لهم.
*وأما المناطق التي تكدست بها القوى العاملة فتعاني نقص الأسرة دوما، وهذا ما جعل الاستفادة من هذه الكوادر المتخصصة أقل من اللازم، وأصبح المرضى في قوائم انتظار طويلة نتيجة عدم توفر السرير، أو عدم توفر موعد قريب نظرا للضغط على هذه المستشفيات بحثا عن الاستشاريين المختصين، وذلك ما زاد تكبد الوزارة لميزانيات إضافية لأسرة غير مستخدمة، وفي نفس الوقت لكوادر غير مستغلة بالشكل الأمثل، إضافة لغيرها من المصروفات الأخرى، وكل هذا كان بالإمكان تفاديه لو تم إعادة توزيع القوى العاملة بالشكل الأمثل، وتغذية المناطق غير الرئيسية بالكوادر العامة والتخصصية اللازمة، وليس فقط إيجاد المستشفيات تحت مسميات تخصصية رغم افتقارها للكادر الطبي التخصصي!!
معدل الأسرة بالمملكة يفتقر إلى التوزيع الصحيح بناء على الكثافة السكانية وذلك ما تم ايضاحه في بداية المقال، ولم يتم مراعاة النقص المستمر والعجز في عدد أسرة العناية المركزة للبالغين، وأسرة العناية المركزة للأطفال، وأيضا الازدحام المستمر في أقسام الطوارئ بالمستشفيات الرئيسية، وكثير من المناطق لا تعاني نقص السرير ولكنها تعاني من سوء إدارة هذا السرير، فيبقى المريض لفترات طويلة أحيانا نظرا لتأجيل العمليات لعدم توفر عدد كافي من استشاريي التخدير مثلا، أو عدم توفر سرير عناية مركزة للحالات المحتاجة بعد العملية، وبعض الأحيان لعدم الاهتمام بالبرنامج التأهيلي بعد الجراحة فيبقى المريض لأسابيع إضافية شاغلا لهذا السرير!! أمور كثيرة تهمل من ناحية الاستخدام الأمثل للسرير، ولكن للأسف بحثنا في الألم ولم نبحث عن أسبابه، ودوما ما نحاول معالجة الألم بالمسكنات وننسى العلاج الفعلي للمسبب!! لننظر إلى الأسباب الفعلية في نقص الأسرة الوهمي قبل محاولة معالجته، فبهذه الطريقة أكاد أجزم لو أضفنا 10 الاف سرير بعد أشهر ستعود نفس المشاكل لتطفو على السطح!!
ولكي تكتمل فرحتنا بـ 10 الاف سرير تم اعتمادها من المقام السامي في ميزانية هذا العام، ننتظر من وزارة الصحة قريبا الإعلان عن خطط الاستفادة من هذه الأسرة وتوزيعها، إلى جانب الخطة الزمنية لبداية عملها بالشكل الفعلي، والخطط المصاحبة في القوى العاملة والأجهزة والمستلزمات، وكل ما من شأنه جعلها 10 الاف سرير فعلية ترتقي بمستوى الخدمات الصحية بالمملكة، وختاما لكي يكون كل سرير حقيقي لا تنظروا له كسرير وإنما كمريض يحتاج لشتى أنواع الخدمات الصحية.
محمد السنان
كاتب في المجال الصحي
@5rbshatsinan