مفردات الخصخصة ونظام الشركات
بقلم / د. عبد الوهاب بن عبدالله الخميس
مجلة الجودة الصحية – دينا المحضار
بعد مقال سابق لي حول الخصخصة ومعانيها، وصلني عديد من الاستفسارات من قرائي ومتابعيّ الكرام. من ضمن هذه الأسئلة، هل يعتبر من ضمن معاني الخصخصة مفهوم الشراكة بين القطاعين الخاص والحكومي (Public Private Partnership (PPP؟ أم أن الشراكة بين القطاعين الخاص والحكومي نوع بذاته وغير مرتبط بالخصخصة؟ وهل corporatization هو Autonomization من أنواع الخصخصة؟ كما وصلني عديد من الاستفسارات عن إيجابيات وسلبيات الخصخصة. لعلي في هذا المقال أعرج على هذه المصطلحات وفي مقال الأسبوع المقبل أتناول الحديث عن إيجابيات وسلبيات الخصخصة. أولا: يمكن تقسيم المصطلحات المذكورة في بداية المقال في إطارها التنظيمي إلى: 1.Budgetary organization وهو النمط التقليدي المتبع حاليا لدى وزاراتنا الحكومية الذي تتحكم فيه الحكومة في آلية صرف الميزانيات والتوظيف والمشتريات وخلافه. ويركز هذا النمط على مدخلات الميزانية أكثر من مخرجاتها ونتائجها، لذا يعاب على هذا النموذج ضعف إنتاجيته وكفاءته. 2.Autonomized organization وهو نمط يتيح للمنشأة أن تتحرر بشكل جزئي عن التحكم المفروض في النمط الأول، كما يتيح للمنشأة الحصول على موارد مالية خارج الميزانية الحكومية. ويمكن هذا النمط التحول إلى الميزانية المبنية على الأداء أوglobal budget or performance based payment . 3. corporatized organization هذا النوع من التنظيم مستقل ذاتيا والتحكم في الميزانيات لهذا النمط أعلى من النموذجين السابقين ويكون فيه استقلالية للملكية واستقلالية في الميزانيات والمدفوعات والتنظيم لكن لا تزال ملكية المنشأة حكومية ومجلس الإدارة مسؤول عن تقييم أدائها. 4.privatized organization وهو تحول ملكية المستشفى إلى القطاع الخاص سواء كان بصيغة ربحية أو غير ربحية. يتميز هذا التنظيم بعدم تدخل الحكومة المباشر في أي نشاط من أنشطة المنشأة. ومن أهم محفزات الأداء في هذا النمط تحقيق الربحية وليس مجرد زيادة موارد المنشأة الصحية. وتعتمد الخصخصة على إيجاد تنافسية بين المنشآت الصحية من أجل ضبط أدائها ورفع جودتها كما يحفزها لتحقيق عائد مادي من أجل ضمان استمراريتها وبقائها (سواء كانت منشأة ربحية أو غير ربحية). لذا فعلى قدر زيادة التحرر من الميزانية الحكومية تمويلا، تنظيما، وإدارة، على قدر ما يكون التوجه نحو الخصخصة أقرب. وعلى قدر ما تتجه المنشأة نحو الخصخصة تزيد دوافعها لرفع كفاءتها وتحقيق ربحيتها. ثانيا: الأدبيات العلمية تخبرنا أن بعض المختصين يعتبرون مفهوم الشراكة مع القطاع الخاص من صور الخصخصةPPP ، لكن البعض الآخر يتعامل معها كنموذج قائم بذاته، والبعض يعتبر الشراكة مع القطاع الخاص إحدى صور التعاقد contracting، لكن ما يميز الشراكة مع القطاع الخاص عن التعاقد أن الشراكة تكون بتحقيق مخارج معينة وفائدة من الخدمة وليس مجرد تقديم الخدمة (كما هو حال التعاقد). تأثير الخصخصة يختلف حسب الخدمة المراد خصخصتها. فتأثير الخصخصة في الرعاية الأولية يختلف عن تأثيرها في خصخصة المستشفيات التخصصية أو العامة أو الخدمات التأهيلية أو الخدمات طويلة الأمد. كما يختلف تأثيرها في مستوى الخدمات المراد خصخصتها سواء كانت خدمات تشخيصية أو علاجية أو وقائية أو خلافة. لذا الحديث عن الخصخصة بشكل عام يعتبر كلاما تنقصه الدقة. لكن الدلائل العلمية تخبرنا أن أثر الخصخصة في زيادة حصول الرعاية الصحية ليس قويا كما يعتقد البعض. بمعنى أن الخصخصة قد لا تحقق بالضرورة سرعة حصول الرعاية الصحية وهذه الدلائل من دول عديدة سواء من أوروبا أوأمريكا أومن دول الشرق الأوسط. كما أن الأدبيات العلمية تخبرنا أيضا أن الخصخصة لبعض الخدمات في القطاع الصحي تقدم ليس من أجل رفع الجودة أو تقليل التكلفة وإنما لتقليل الضغط على صانع القرار السياسي خصوصا لدى الدول التي لديها انتخابات. فكما هو معلوم أن القطاع الصحي من أهم الأجندة التي تؤثر في الناخبين في كثير من الدول. فالخصخصة قد تستخدم كأداة لإزالة اللوم من على الحكومة المنتخبة ورميه على القطاع الخاص، حيث يكون دور الحكومة المنتخبة كالحكم بين المستفيد من الخدمة والمقدم لها، فيمكن أن يخفف احتقان المتلقي من سوء الخدمة عبر خصخصتها. لكن هذا لا يعني أن أثر الخصخصة سلبي دائما بل يعتمد بشكل كبير على الهدف منه والتنظيمات التي تحكم عمله. لا يوجد نظام صحي دون أن يكون للخصخصة دور فيها، لكن دور الخصخصة قد يختلف من دولة إلى أخرى، كما أن مفهوم الخصخصة يختلف بين خصخصة شاملة وخصخصة محدودة. فللخصخصة دور في تقديم الرعاية الصحية لدى النظام الصحي البريطاني والألماني والسويسري والهولندي والفرنسي والياباني والكوري والسنغافوري ومعظم دول أوروبا الغربية. لذا فالسؤال عن الخصخصة ومدى فائدتها أو عدمها سؤال غير دقيق ويحتاج إلى تفصيل لأن الإجابة بالنفي أو الإيجاب قد تحكي جزءا من الحقيقة ولكن ليست الحقيقة كاملة. كما لا يمكن تنفيذ الخصخصة بين عشية وضحاها وقد لا يمكن تنفيذها على كل الخدمات الصحية. كما أنه لا يمكن تنفيذها إلا في ظل وجود كوادر قادرة على تفهم الأبعاد والمخاطر التي يمكن أن تؤدي إليها الخصخصة إذا لم تحسن إدارتها. فالخصخصة وسيلة يمكن أن تكون انعكاساتها إيجابية ويمكن أن تؤدي لسلبيات أكثر من سلبية النظام الصحي في وضعه الراهن. لذا لعلي في مقال الأسبوع المقبل أتناول إيجابيات وسلبيات الخصخصة في القطاع الصحي.