الاقتصاد التشاركي ومستقبل الرعاية الصحية
بقلم/ د. بدر الشومر
الصادره من صحيفة مال الاقتصادية
مجلة الجوده الصحية_ دينا المحضار
تتجه كثير من الدول لدعم نموذج الاقتصاد التشاركي “Sharing Economy” في العديد من المجالات والخدمات الأساسية مثل مجالات النقل والخدمات اللوجستية وتبادل المهارات والملكية الفكرية والإنتاج والتجارة والسكن وغيرها. ويأتي هذا التوجه في سبيل تعزيز اتجاه هذه الدول نحو الإدارة اللامركزية لبعض الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين وإتاحة فرصة أكبر للأفراد والشركات والمنظمات الغير ربحية لاستثمار مواردها المتاحة و الفائضة عن احتياجها سواءً كانت هذه الموارد موارد بشرية أو مادية.
هذا النموذج يعتمد بشكل أساسي على تقنية المعلومات كمنصة أساسية للربط بين صاحب الأعمال والعملاء ، ويعتبر تطبيق “أوبر” و منافسه العربي تطبيق “كريم” أمثلة ناجحة لتطبيق هذا النموذج الاقتصادي الجديد.
القطاع الصحي يمكنه الاستفادة من مفهوم الاقتصاد التشاركي من خلال الاستفادة من الموارد التي يملكها والتي يجب أن تستغل الاستغلال الأمثل مثل أسرة المستشفيات ، أجهزة التشخيص ، غرف العمليات ، الأطباء ، الأخصائيين ، سيارات الإسعاف وغيرها لتغطية الاحتياج الشديد للخدمات الصحية في أماكن متفرقة قد يصعب الوصول اليها بالطرق التقليدية أو قد تكون تكلفة الوصول إليها وتقديمها هناك مضاعفة .
ولتقريب هذا المفهوم يمكن الإشارة إلى مبادرتين أطلقت حديثاً في أمريكا وحققت نجاحات كبيرة . المبادرة الأولى هي تطبيق “Pager” والذي أطلق في مدينة نيويورك في 2015م ، حيث يسعى مؤسسوه إلى تغيير مفهوم تقديم الرعاية الصحية من خلال الالتزام بتوفير طبيب لمعاينة المريض ” العميل ” في مدة لا تتجاوز ساعتين من إرسال الطلب في أي مكان يطلبه المريض ( البيت، المكتب ، السوق ، أو ملعب الغولف). التطبيق نجح في جلب استثمارات بقيمة ١٤ مليون دولار – حسب موقع Forbes – ويطمح للتوسع في تقديم منتجات جديدة والتواجد في مدن أمريكية أخرى مهمة مثل لوس انجلوس وسان فرانسيسكو . التطبيق حالياً يقدم ثلاث خدمات رئيسية لعملائه “المرضى” وهي : الاستشارة المجانية عبر المحادثات السريعة “Live Chat” ، الاستشارة الطبية عبر الفيديو ( قيمتها لا تتجاوز 25دولار ) ، والكشف الطبي في المنزل ( بحيث لا تتعدى قيمتها 100دولار).
المثال الآخر لتطبيق هذا النموذج الاقتصادي في الرعاية الصحية هو منصة ” CrowdMed ” على الإنترنت ، حيث تتيح هذه المنصة للمرضى والممارسين الصحيين طلب المساعدة في تشخيص بعض الحالات المعقدة التي تواجههم من خلال رفع الصور والفحوصات الطبية عبر الحساب الشخصي للمستخدم . هذه المنصة تهدف إلى تسريع عملية تشخيص الأمراض وتقليل المدة اللازمة له و الاعتماد أكثر على تقنيات الذكاء الاصطناعي في التشخيص الدقيق للحالات . المنصة أطلقت في عام ٢٠١٣ م وأنجزت ٩٠٠ تقريراً في عام 2015 م فقط – حسب موقع الشركة – ، حيث يستغرق إنجاز التقرير الواحد بالطريقة التقليدية من أسبوع إلى شهر تقريباً ، المنصة تقدم هذه التقارير بمقابل مادي للمرضى والممارسين الصحيين و تتيح لهم إمكانية الاشتراك الشهري أو الدفع مقابل كل تقرير يصدر ويرسل بصيغة PDF.
يرى كثير من المتخصصين أن نموذج الاقتصاد التشاركي يحمل مميزات إيجابية يمكن تطبيقها في نموذج الرعاية الصحية مثل الاعتماد أكثر على تقنية المعلومات في عرض الموارد الفائضة والانتفاع منها سواءً للممارس الصحي أو المنظمات الصحية (ربحية وغير ربحية)، وتقليل المركزية في إدارة وتقديم الخدمات الصحية. لكنهم يدركون أيضاً أن تطبيق هذا النموذج له آثاراً سلبية محتملة الوقوع مثل بعض الممارسات الغير المهنية و الغير أخلاقية التي قد تصدر من قبل بعض الممارسين الصحيين ، والحاجة لوسائل جديدة للرقابة والضبط ، أيضاً صعوبة إجراء تعديلات في التشريعات مثل معايير الجودة اللازمة والتسعير للخدمات وحماية بيانات المريض والحفاظ على خصوصية الممارس الصحي وحمايته.
دكتوراه متخصص من النظم الصحية _ استراليا
@bshoum