الأنظمة الصحية حول العالم
بقلم/سعود بن هاشم جليدان
مجلة الجودة الصحية_ دينا المحضار
تناولت في مقالتين سابقتين فشل الأسواق والحكومات في تعظيم المنافع الصحية. وقادت مظاهر الفشل إلى تباين وجهات نظر المختصين حول النظام الأصلح للرعاية الصحية. ولهذا نشأت اختلافات كبيرة بين الأنظمة الصحية المطبقة حول العالم، حيث تعتمد دول كثيرة على القطاع العام في تقديم الخدمات الصحية وتحمل تكاليفها، بينما تعتمد دول أخرى على القطاع الخاص في تقديم وتحمل تكاليف الخدمات الصحية. حاولت دول كثيرة تلافي عيوب القطاعين العام والخاص وذلك من خلال تجنب الاعتماد كليا على أحدهما وتبني سياسات تمزج بينهما وتتحكم في أنشطتهما. وتقوم عدة دول بمنح القطاع الخاص فرصة تقديم الخدمات الصحية، بينما تتحمل الحكومات التكاليف. وتفرض دول متعددة قيودا على القطاع الخاص للحد من المبالغة في تكاليف الرعاية الصحية. تمول الحكومات تكاليف الرعاية الصحية لمقدميها، إما من إيرادات الدولة العامة وإما من خلال جمع ضرائب ورسوم على دخول الأفراد وأصحاب الأعمال مقابل التغطية الصحية. وعموما تميل معظم دول العالم إلى تبني خليط من الأنظمة، ترتفع فيها حصص الحكومة أو تقل حسب الدولة وأنظمتها. تسدد تكاليف الرعاية الطبية مباشرة من الدولة أو من خلال شركات وصناديق تأمين ربحية أو غير هادفة للربح.
تجمع شركات التأمين الصحي اشتراكاتها من الدولة أو من أصحاب الأعمال أو من الأسر مباشرة. وتفرض بعض الدول شروطا على شركات التأمين للحد من مثالبها، حيث توفر التغطية الصحية من خلال شركات أو صناديق تأمين غير هادفة للربح. إضافة إلى ذلك تجبر الأنظمة في بعض الدول شركات التأمين الصحي على عدم زيادة أقساطها عند تغيير الأفراد شركات التأمين وذلك لضمان استمرار حصول السكان على تغطية صحية. وتوفر دول كثيرة تغطية صحية أو تؤمن على الشرائح غير القادرة على الدفع مثل كبار السن والعاطلين عن العمل من الموارد العامة، وتتحمل دول كثيرة جزءا كبيرا من تكاليف تغطية الأطفال الصحية. لا يمكن الجزم بدرجة عالية من الثقة بأن نوعا معينا من الأنظمة أكثر فعالية في توفير الرعاية الصحية أو أنه الأفضل، حيث تختلف ظروف وموارد وفلسفة الدول والمجتمعات حول الرعاية الصحية ومدى فعالية الحكومات في تقديم الخدمات. وقد حققت بعض الدول التي توفر رعاية صحية عامة نجاحات كبيرة وينطبق الحال على الدول التي تعتمد على القطاع الخاص في توفير الخدمات الصحية.
يتباهى عدد من دول العالم بمجانية العلاج والرعاية الصحية، وتغطى تكاليف الرعاية الطبية في هذه الدول من الإيرادات العامة التي تشكل الرسوم والضرائب معظمها. وفي الحقيقة لا يوجد علاج مجاني في أي دولة، حيث يتحمل عادة دافعو الضرائب تكاليف الرعاية الصحية، وحتى عند غياب الضرائب فإنه بالإمكان الاستفادة من مخصصات الرعاية الصحية في مجالات أخرى أو تحويلها إلى الأسر. وتلزم كثير من دول العالم موظفي العمالة بتوفير تأمين صحي للعاملين لديهم أو تحمل جزء من التكاليف. ويدخل موظفو العمالة تكاليف تأمين العمالة الصحي ضمن تكاليف العمالة، ولو لم تحصل العمالة على تأمين صحي فإن أجورها ستكون أعلى. وفرضت أنظمة توفير الرعاية الصحية على أصحاب الأعمال لضمان حد أدنى من الرعاية الصحية للطبقة العاملة أو على الأقل لمعظمهم والحد من التمييز في الحصول على الخدمات الصحية على أسس الدخل أو العرق أو الجنس أو المجموعات السكانية.
يقاس نجاح أي نظام صحي من خلال ثلاثة مؤشرات رئيسة هي التكاليف وشمول التغطية والجودة. وتعاني الأنظمة الصحية المعتمدة على تحميل الأسر والقطاع الخاص التكاليف نقص تغطية السكان الصحية، ما يقود إلى نتائج كارثية على منخفضي الدخل، كما ترتفع فيها التكاليف بقوة. ويبرز هذا واضحا في الولايات المتحدة التي يقدم فيها القطاع الخاص خدمات صحية جيدة ويبدع في تطوير التقنيات الصحية، ولكنها تنفق نحو 18 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي على الخدمات الصحية، نحو عشرة آلاف دولار للفرد، ومع هذا الإنفاق الكبير لا يتمتع نحو 30 مليونا من سكانها بالتغطية الصحية. تقاس جودة الخدمات الصحية من خلال مؤشرات صحية مثل العمر المتوقع عند الولادة ومعدلات وفيات الأطفال. وتتساوى الولايات المتحدة مع دول مثل كوبا ـ التي تعتمد على القطاع العام في التغطية الصحية ـ في معدلات الأعمار المتوقعة، كما أنها تسجل معدلات أسوأ من كوبا في معدلات وفيات الأطفال.
من جهة أخرى يعاني عديد من الدول المعتمدة على القطاع العام في تقديم الرعاية الصحية من انخفاض نوعية الخدمات الصحية، والضغوط المرتفعة على مرافقها، وانخفاض خيارات المرضى، وزيادة معدلات الفساد.
تتحمل كل دولة وسكانها مسؤولية اختيار النظام الصحي المناسب الذي ينسجم مع بيئتها الاجتماعية والثقافية وإمكاناتها مع الحرص على تحقيق أفضل المؤشرات من حيث التكلفة والتغطية وجودة الخدمات الصحية. وتعاني دول كثيرة مظاهر فشل متعددة في أنظمتها الصحية وهو ما يستدعي إثراء النقاش حول سبل تحسين فاعلية الأنظمة وإجراء الإصلاحات الضرورية ومشاركة الجميع في تحمل النتائج.