من يقرأ الحقائق؟ وكيفية تحليلها!
بقلم/ د. اسماعيل محمد التركستاني
مجلة الجوده الصحية – دينا المحضار
تطرقت مرارا في مقالاتي التي نشرت بصحيفة مكة إلى العديد من الحقائق العملية التي هي محصلة تجربتي المهنية في وزارة الصحة، والتي استخلصتها بناء على العديد من التجارب التي خضتها سواء في عملي عن قرب مع عدد من القيادات الصحية في منشأتي الصحية ومنطقتي التي أعمل فيها أو من خلال القيادات الصحية في مناطق أخرى، وما اكتسبته أيضا من تجارب قيمة وفريدة خلال عملي بمستشفى فريمان بمدينة نيوكاسل الإنجليزية (خلال عامي 2008-2009). ومن تلك الحقائق ما ذكرته من أن قاعدة العمل في الرعاية الصحية المحلية – وما زالت معمولا بها إلى الآن – هي الرعاية الصحية المبنية على الحجم. وأصدق دليل على تلك الحقيقة التي تطرقت إليها في مقال بعنوان: الخدمات الصحية بين الحجم والقيمة، هو ما ذكره نائب وزير الصحة للتخطيط والتطوير السابق الدكتور محمد خشيم في محاضرته التي ألقاها على طاولة الحوار الأكاديمي بكلية الاقتصاد بجامعة المؤسس حول النظام الصحي بين الخصخصة والتأمين.
حيث ذكر أن «العبء في الخدمة والمصاريف يأتي على وزارة الصحة أولا، وتتكفل بما نسبته 53% من الأعباء المالية، و18% في الحرس والدفاع وبقية القطاعات الحكومية الأخرى والقطاع الخاص تتحمل ما نسبته 29% من العبء».
وللتذكير بما كتبته في مقالي: إن التحكم في خطوات الانتقال من نظام الحجم إلى نظام القيمة ليس بالأمر الميسر والسهل، ويحتاج إلى العديد من العوامل لإنجاحه وتطبيقه بصورة فعالة، والتي يحتاجها الداعم الرئيسي في التطبيق (شركات التأمين) التي لا تمتلك التقييم الواقعي الحقيقي للقيمة المقدرة في الخدمات الصحية المحلية أو ما يسمى بمؤشرات الأداء KPIs (انتهى). وحيث إن وزارة الصحة تعاني من عدد من العقبات، مثل: سوء الإدارة، هدر المال، قلة الإنتاج وسوء توزيع الموارد، فقد ذكر المحاضر (الدكتور خشيم) أن أفضل الحلول لتجاوز العديد من السلبيات في العمل الصحي هو تطبيق التأمين الصحي التجاري، والتحول للتشغيل الذاتي، وتحويل المستشفيات لمؤسسات، وتخصيص بعض الخدمات الصحية. وهذا كما نراه الآن التوجه الذي تعمل عليه القيادات الصحية الحالية، والمتمثل في بناء وتأسيس خصخصة حكومية متمثلة في شركة حكومية.
ولقد دار نقاش مهني لأكثر من ساعة باستخدام تطبيق Skype بيني وبين الدكتور ثامر الطيب (استشاري جراحة) بشأن ما جاء في محاضرة خشيم من محتويات، حيث كان من وجهة نظري أن رسالة المحاضر تتمثل في طرح النتيجة النهائية لمحصلة عمله في الهيكل الإداري لوزارة الصحة، وبما يتناسب مع مفهوم الحضور (تخصص الإدارة والاقتصاد).
ولكن في المقابل كان رأي زميلي يتمثل في مفهوم الرعاية الصحية المبنية على القيمة، حيث كان نقاش الدكتور ثامر أن الدكتور خشيم لم يتطرق إلى ما هي القيمة الحقيقية من المرضى والمستفيدين من تلك الرعاية الصحية المقدمة في القيمة الحجمية من الرعاية الصحية المقدمة من قبل وزارة الصحة (%53)، والتي تتمثل في القيم المختلفة لمؤشرات الأداء، والتي هي الآن المؤشر الحقيقي والمطلوب بشدة في تقييم العمل الصحي وتطويره والاستفادة من الموارد المختلفة للمنشآت الصحية المختلفة!
باختصار، في الرعاية الصحية يكون تعريف القيمة هو كل النتائج التي تم إحرازها وتخص صحة المريض، وهي أيضا لها قيمة لدى المريض الذي يعد الهدف الرئيس من الخدمة الصحية المقدمة في أي مؤسسة صحية، حيث إن الإنجاز الذي تم الوصول إليه مع المريض هو ارتفاع المؤشر الصحي بصورة عامة، وتكون تلك الإنجازات مرتبطة بمعايير القياس التي أنجزت القيمة من الرعاية، وليس بمقدار المادة التي جرى ضخها أو سدادها (الحجم)، ومع كل التقدير للدكتور خشيم والدكتور الطيب.