المخرجات الصحية ثروة مهدرة
بقلم/ عبلة مرشد
مجلة الجوده الصحية – دينا المحضار
الأمل معقود على وزارة الصحة، بالتعاون مع وزارة التعليم ووزارتي العمل والخدمة المدنية، في مراجعة تقييم واقع القوى العاملة الوطنية في المجال الصحي
تشير أحدث الإحصاءات المتاحة المنشورة لوزارة الصحة 1437، والمتضمنة حجم الموارد البشرية الصحية في المملكة أو القوى العاملة في المجال الصحي، إلى أن هناك عجزا واضحا في مواردنا الوطنية للقوى العاملة الصحية، وذلك يشمل: الأطباء، الممرضين، الصيادلة، الفئات الطبية المساعدة.
وتوضح تلك البيانات الرقمية والنسبية واقع جميع القوى العاملة في المجال الصحي، وتصنيفها حسب الجنسية «سعودي/غير سعودي» في جميع قطاعات الدولة، وذلك يشمل:
-1 القطاع الحكومي «وزارة الصحة»
-2 الجهات الحكومية الأخرى «الحرس الوطني، العسكري… إلخ»
-3 القطاع الخاص
وبقراءة تلك البيانات وتحليلها، نجد أن فئة الأطباء، والتي تعد أعلى درجات التصنيف المهني للموارد الصحية البشرية، والأكثر أهمية وحساسية، تنخفض فيها نسبة السعوديين إلى 26.7% فقط من مجمل العاملين من الأطباء في المملكة في جميع القطاعات، بينما ترتفع «نسبيا»، نسبة العاملين في مجال التمريض إلى 36.5% من جملة الكادر الطبي العامل في تلك المهنة الصحية، وتنخفض النسبة عند الصيادلة إلى 22.0% فقط، وهم يمثلون المواطنين من خريجي كليات الصيدلة على اختلاف مصادر مؤهلاتهم الصحية، وترتفع نسبة الفئات الطبية المساعدة إلى 74.4% من حجم الموارد البشرية الطبية التي تقوم بالعمل الإداري والفني المساند للكادر الصحي.
وحتى تتضح الصورة، فإنه لا بد من إلقاء الضوء على توزيع تلك الموارد الصحية بنسبها المختلفة تفصيلا على جميع القطاعات في الدولة، حتى يمكننا تحديد القطاع الأضعف في احتواء مواردنا الوطنية المطلوب وجودها، ولما يمثله القطاع الصحي من أهمية كأحد أهم مرتكزات القاعدة التنموية في مؤشرات التنمية البشرية الدولية.
يمثل القطاع الصحي التابع «لوزارة الصحة»، بجميع كادره الصحي، القطاع الأهم في احتواء مواردنا البشرية الصحية المواطنة، والذي تصل فيه نسبة الأطباء من المواطنين إلى 33.4%، بينما يمثل الممرضون السعوديون 57.6% من جملة العاملين في تلك الفئة، والصيادلة السعوديون 91.5%، أما الفئات الطبية المساعدة 93.2% من جملة العاملين لتلك الفئة من القوى العاملة في المجال الصحي.
وتأتي الجهات الحكومية الأخرى في المرتبة المقابلة لوزارة الصحة، ولكن ترتفع فيها نسبة الأطباء السعوديين إلى 50.5% من جملة الأطباء فيها، بينما ينخفض التمريض الوطني إلى 14.9% من جملة العاملين فيه، ويسجل الصيادلة المواطنون فيه 65.1%، والفئات المساعدة 70.0%، وذلك من جملة العاملين في تلك الفئات المهنية.
أما القطاع الخاص، والذي يعدّ القطاع الأكبر والأهم، مع التوجه نحو الخصخصة، وفي ظل العجز والضغط على القطاعات الصحية الحكومية، والقطاعات الحكومية الأخرى «الحرس الوطني، العسكري»، فإن نسبة الكادر الصحي من المواطنين تنخفض فيه بنسبة مهولة، وذلك على الرغم من بطالة الآلاف من مخرجاتنا الصحية من الأطباء والممرضين والصيادلة من المواطنين، إذ تنخفض نسبة الأطباء السعوديين في القطاع الخاص إلى 3.3% فقط من مجمل كادره الطبي، بينما تصل نسبة الكادر التمريضي المواطن إلى 5.3% فقط، ونسبة الصيادلة 4.2%، أما الفئات المساعدة للكادر الطبي فنسبتها تصل إلى 29.9% من مجمل العاملين في تلك الفئة المهنية في ذلك القطاع.
وفي ظل تلك البيانات الرقمية لإحصاءات وزارة الصحة حول مواردها البشرية الصحية والمساندة لعام 1437، هل يمكن أن نتخيل أن هناك بطالة مرتفعة بين أبنائنا من تلك المخرجات في إطار ذلك العجز الواضح، خاصة في القطاع الخاص؟!
وهل يمكن أن نستوعب خطورة توصيات مؤتمر وزارة الصحة المنعقد منذ أشهر حول القوى العاملة الصحية المواطنة؟! وهل مسؤولو الصحة والتعليم اطّلعوا على واقع الإحصاءات التي تتحمل الوزارة مسؤولية مصداقيتها بخصوص مواردنا البشرية الصحية؟! وهل لنا أن نتخيل حجم التناقض بين السياسات التي استهدفتها توصيات المؤتمر وبالتعاون مع وزارة التعليم، مع تلك الفجوة الرهيبة في مواردنا البشرية الصحية؟!
أما التوصيات التي انتهى إليها المؤتمر، وهي جزء من 10 توصيات علمية تبناها المؤتمر المعني بالقطاع الصحي والقوى العاملة تحديدا، فهي:
-1 إيقاف افتتاح كليات حكومية أو أهلية للطب البشري والأسنان والصيدلة، خلال الـ12 عاما القادمة حتى 2030.
-2 تخفيض القبول لشهادة بكالوريوس طب الأسنان والصيدلة بنسبة 50% خلال السنوات الـ4 المقبلة حتى عام 2022.
-3 إيقاف الابتعاث لبكالوريوس طب الأسنان والطب البشري والصيدلة وقصره على الدراسات العليا، بسبب زيادة أعداد الخريجين في التخصصات المذكورة بأكثر مما يستوعبه سوق العمل، وأكثر من طاقة المستشفيات الحكومية والخاصة على استيعاب المتدربين، مما أضعف المخرجات التي فشلت في اجتياز اختبار الرخصة المهنية، وكانت النتيجة زيادة أعداد العاطلين عن العمل.
-4 زيادة القبول في اختصاصي طب الأسرة والتمريض.
وبناء على ما تم توضيحه في التوصيات من مبررات للحد من القبول في التخصصات الصحية، وقصر الابتعاث على الدراسات العليا، التساؤل المطروح هو: هل تتلاءم تلك التوصيات مع ما نطمح إليه من توفير موارد بشرية صحية مواطنة؟! وهل تخدم تلك التوصيات تطلعاتنا التنموية في ظل ذلك العجز المهول -خاصة في القطاع الخاص- في جميع القوى العاملة الصحية الوطنية؟! وهل هناك زيادة فعلا في المخرجات في تلك التخصصات بأكثر مما يستوعبه سوق العمل؟! وذلك بالمقارنة مع ذلك الانخفاض الواضح في نسبة المواطنين، خاصة في القطاع الخاص، فهل يعقل أن تكون هناك زيادة في المخرجات عن حاجة سوق العمل؟!
أما القصور في التدريب -كما تشير التوصيات- والذي كان نتيجة أن المخرجات أكثر من طاقة المستشفيات الحكومية والخاصة لاستيعاب المتدربين، والذي كان سببا في ضعفهم وفشلهم في اجتياز اختبار الرخصة المهنية، مما تسبب في زيادة العاطلين عن العمل، فإن بيانات وزارة الصحة تشير إلى أن هناك 470 مستشفى في الدولة «1437» بفضل الله، ثم بجهود اهتمام القيادة في توفير وتيسير سبل الرعاية الصحية للمواطنين، وتتوزع تلك المستشفيات بين 274 لوزارة الصحة، و44 للجهات الحكومية الأخرى، و152 للقطاع الخاص، فهل جميع تلك المستشفيات لم تستوعب تدريب مخرجاتنا الصحية من أبنائنا في جميع تخصصاتهم؟! أم إن القطاع الخاص مستثنى من ذلك؟!
الأمل معقود على وزارة الصحة، وبالتعاون مع وزارة التعليم ووزارتي العمل والخدمة المدنية، في مراجعة تقييم واقع القوى العاملة الوطنية في المجال الصحي، بما يخدم بدايةً زيادة نسبة المقبولين منهم في الجامعات، وتوظيف مخرجاتها المتعطلة، في جميع القطاعات المتاحة في الوطن ولمختلف التخصصات الصحية بفئاتها الموجودة، ويشمل ذلك التحفيز: تمكينها من القبول لسنة الامتياز في جميع المستشفيات لجميع الخريجين من العام والخاص، ودعمهم برواتب شهرية مشجعة ومجزية، تكفل لهم استكمال التدريب اللازم وحضور الدورات وورش العمل التي تُطلب منهم، والتعاون بكل ما يسهم في تأهيلهم لاجتياز اختبار التخصصات الصحية للحصول على الرخصة المهنية، التي بدونها لا يمكنهم الالتحاق بالكادر الصحي الوطني، وبذلك يمكننا ردم الفجوة تدريجيا في العجز لمواردنا الصحية ورفع نسبة المواطنة في القطاع الصحي، كما يمكننا الوثوق بأننا نسير فعليا في المسار الصحيح لتحقيق رؤيتنا الإستراتيجية، وبلورتها إلى واقع نعيشه ونفخر به