بقلم/ جيفري دي. ساكس 

الصادرة من صحيفة الأقتصادية

مجلة الجودة الصحية – دينا المحضار 

ترى من أين أتى مرض فيروس كورونا كوفيد – 19؟ إن تحديد مصدر الوباء أمر بالغ الأهمية. لكن بعد مرور أكثر من 18 شهرا منذ ظهر فيروس SARS-CoV-2 – الفيروس المسبب لكوفيد – 19 – تظل مسألة منشأ العامل الـممرض غير محسومة. وقد يساعدنا توخي قدر أكبر من الشفافية والوضوح على المناقشة لحل مسألة مصدر الفيروس، وكذا في تجنب الجائحات في المستقبل.
هنا، تبرز فرضيتان رئيسيتان: الأولى تنبئنا عن حدث طبيعي حيث ينتقل فيروس SARS-CoV-2 من حيوان إلى إنسان في سياق طبيعي، أو مزرعة، أو سوق للمواد الغذائية. وتحدثنا الفرضية الثانية عن عدوى مرتبطة بالأبحاث التي كانت جارية على فيروسات شبيهة بفيروس سارز “أي الفيروسات ذات الصلة بالفيروس الذي أحدث وباء سارز خلال الفترة من 2002 إلى 2004”. إذا كان لنا أن نتمكن من منع الفاشيات المرضية في المستقبل، فيجب أن يكون تحديد مصدر الفاشية الحالية على رأس أولوياتنا.
توجه هاتان الفرضيتان انتباهنا إلى مجموعتين مختلفتين من الاهتمامات وتدابير السياسة، وكل منهما تستوجب اهتمامنا. تستلزم الأمراض التي تنشأ نتيجة لانتقال الفيروسات من الحياة البرية إلى البشر “ما يسمى بالأمراض الطبيعية حيوانية المنشأ” اتخاذ تدابير احترازية في التفاعلات البشرية مع المكامن الحيوانية التي تحتوي على مسببات أمراض مميتة محتملة، على سبيل المثال في تطهير الأراضي، والزراعة واستهلاك لحوم الطرائد، وتربية وتجارة المواشي. تسببت الأحداث الطبيعية حيوانية المصدر في ظهور عديد من الأمراض الوبائية المميتة في العقود الأخيرة، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية الإيدز، وإيبولا، وسارز مرض الالتهاب الرئوي الحاد، وميرس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية.
من الممكن أن تنشأ الأمراض المعدية المستجدة أيضا في سياق الأبحاث التي تجرى على الفيروسات وغيرها من مسببات الأمراض. ويسجل التاريخ حالات حيث أصيب باحثون وعمال مختبرات بعدوى مسببات الأمراض التي كانوا يدرسونها. في حالة SARS-CoV-2، ربما حدثت عدوى مرتبطة بالبحث بأكثر من طريقة. فربما أصيب باحث بالعدوى أثناء جمع عينات من الفيروس والجزيئات الفيروسية في الموائل الطبيعية لخفافيش حدوة الفرس أو غير ذلك من الحيوانات التي ربما أوت الفيروس. أو ربما حدثت العدوى في مختبر حيث كان الباحثون يعملون على عينات جرى جمعها مسبقا تحتوي على الفيروس أو فرزات فيروسية. يتضمن سيناريو آخر إصابة العاملين في الأبحاث بفيروسات جمعت من مصدر طبيعي ثم جرى التلاعب بها جينيا في وقت لاحق في المختبر، بما في ذلك إدخال تغييرات قد تجعل فيروسا منشأه الخفافيش أكثر ميلا إلى إصابة البشر بعدواه.
الواقع: إن كلا من الفرضيتين – الأمراض الطبيعية حيوانية المنشأ والعدوى المرتبطة بالأبحاث – محتمل في هذه المرحلة من التحقيق. ويتغافل أولئك الذين ادعوا أن المنشأ الطبيعي هو الفرضية الوحيدة المحتملة عن أنشطة بحثية مكثفة كانت جارية في الميدان وفي المختبرات على فيروسات شبيهة بفيروس سارز، بما في ذلك في ووهان في الصين، حيث جرى تحديد أول فاشية، وفي الولايات المتحدة. ويتغافل أولئك الذين يزعمون أن العدوى المرتبطة بالأبحاث هي الفرضية الوحيدة المحتملة عن وتيرة انتقال الفيروسات حيوانية المصدر بشكل طبيعي، مثل فاشية سارز. ولا يخلو الأمر من عديد من الطرق التي يمكن أن يقع من خلالها حدث طبيعي مع فيروس SARS-CoV-2 في مكان ما في الصين ثم يجلب إلى ووهان بوساطة فرد مصاب أو حيوان طرح إلى السوق. ونتج قدر كبير من الالتباس بسبب الخلط بين فرضية المنشأ البحثي ونسخة معينة من هذه الفرضية، حيث حدثت العدوى بعد تلاعب مستهدف بالفيروس لتعزيز تكيفه البشري.
منذ بدأت الجائحة قدم مؤيدو كل من الفرضيتين ادعاءات مبالغ فيها، وسابقة لأوانها، وغير مبررة. في وقت مبكر من الجائحة أعلن عديد من العلماء والباحثين أن هناك أدلة دامغة تؤكد أن فيروس SARS-CoV-2 نشأ في الحياة البرية، وأن النظريات البديلة حول إطلاق الفيروس في سياق يرتبط بالأبحاث ليست أكثر من نظريات مؤامرة. كما زعم مراقبون آخرون في وقت سابق، وتبعهم عديد من الساسة الأمريكيين بمن في ذلك الرئيس السابق دونالد ترمب، ومايك بومبيو وزير الخارجية، وأعضاء في الكونجرس أن هناك أدلة هائلة الضخامة تؤكد إطلاق الفيروس في سياق أبحاث مختبرية، مشيرين إلى الأنشطة البحثية الجارية في مختبرات في ووهان… يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت، سنديكيت، 2021.