نحن وأمريكا والنظام الصحي الأوروبي والياباني
بقلم : متأمّل
@Mutaamil
عندما كنت في الجامعة، شرح أحد الدكاترة نظام نقل المعلومات فائق السرعة وقال أن أصله أوروبي. فتعجب أحد الطلاب كيف لا يكون أمريكياً! فرد عليه الدكتور: نحن لا نرى العالم إلا بعيون أمريكية! كثير من العلوم والمعارف تصل أمريكا ثم نأخذها نحن من هناك، ولا نحاول أن ننفتح على بقية العالم.
بقي ذلك الحوار في ذهني، وحاولت اختبار كلام الدكتور. فوجدت، مثلاً، أن أصل الويب (أو الإنترنت كما نعرفها الآن) أوروبي، شبكة الجوال GSM أوروبية، كثير من تقنيات المكائن والنقل أوروبية. حتى أن تطبيقات الأفكار على شكل منتجات تأتينا من اليابان والصين وغيرهما. فلماذا نحن نضع أمريكا في مكان أعلى من مكانها؟! لقد وجدت أن السبب وراء ذلك يعود ربما لتقليدنا الأنظمة والأساليب الأمريكية في كثير من جوانبها، وخاصة في المجالات المالية والاقتصادية والصناعة والطبية. وقد يكون هذا بسبب الابتعاث أو المصالح المشتركة. وكمثال على ذلك، لنأخذ مسألة التأمين الطبي التي تدندن عليها صحافتنا هذه الأيام.
ثار لغط على التأمين الطبي من الناحية الشرعية عندنا، ولكن لم يسأل أحد إذا ما كان النظام المقترح هو الأفضل لنا! لم يسأل أحد هذا لأن النظام الذي ننوي تطبيقه مطبّق في أمريكا. إذاً، فهو الأفضل بديهياً عند الكثيرين!
في أثناء زخم طرح ومناقشة النظام لدينا، ظهر فيلم وثائقي أمريكي ينتقد نظام التأمين الصحي الأمريكي ويقارنه بالنظام الصحي في بعض الدول الأوروبية. وكان مما ورد في الفيلم أن مريضاً بريطانياً استقل سيارة أجرة للانتقال إلى المستشفى. وعند وصوله للاستقبال، طلب المريض من موظف المستشفى دفع أجرة التاكسي! فالمريض كان فقيراً والدولة تتولى تكاليف علاجه بما فيها أجرة توصيله للمستشفى! مشهد آخر في الفيلم يصوّر تعجب المواطنين الأوروبيين من سؤالهم عن التأمين الطبي، فهم لا يعرفون هذا التأمين. إذ توفر لهم دولهم الخدمة الصحية مجاناً دون أي تأمين.
مقارنة أخرى بين النظام الصحي الأمريكي والنظام الياباني منشورة في مقال على الإنترنت هذه المرة. يقول المقال أن اليابان تحتل المركز الأول عالمياً في مؤشرات صحة الأفراد، ولكنها في المقابل تصرف نصف ما تصرفه أمريكا! ولمعرفة كيف يمكن حدوث هذا، لنراجع أبرز ملامح النظام الياباني فيما يلي.
شعار الخدمة الطبية في اليابان هو: الرعاية الطبية لكل شخص في أي وقت وفي أي مكان. ولهذا فالجميع في اليابان يجب أن يُغطّى بتأمين طبي. فالموظف يحصل على التأمين من شركته، وغير الموظف يحصل عليه من جهات تأمين مجتمعية (وليس شركات مساهمة لا ترحم كما هو الحال في أمريكا أو عندنا!). وتتكفل الدولة بتكاليف التأمين للفقراء الذين لا يمكنهم دفع قيمة التأمين المجتمعي. هذا النظام يأتي وسطاً بين نظام التأمين الطبي الأمريكي وبين الرعاية الطبية المجانية الأوروبية.
غالبية المستشفيات اليابانية (٨٠٪) هي خاصة، وعيادة الدكتور داخل المستشفى تعتبر عمل خاص له. لا يوجد مواعيد للمرضى في هذه العيادات. كما لا يُسمح للطبيب أن يضع سكرتير على باب عيادته. الأمور تسير بشكل طبيعي هناك، على الرغم من أن الشخص الياباني يزور الطبيب ثلاثة أضعاف عدد زيارة الأمريكي. كما أن الياباني ينوّم في المتوسط مدة أطول من الأمريكي.
معدل تكلفة تأمين عائلة يابانية هي ٢٨٠ دولار شهرياً (١٠٥٠ ريال). تتكفل جهة العمل بنصفها. وحتى لو فصل الموظف من عمله، فإن الشركة تستمر في دفع التأمين له. كما أن الجهات المانحة للتأمين لا يمكنها رفض أي شخص، حتى أولئك المصابين بأمراض القلب.
وزارة الصحة اليابانية هي من يقوم بتسعير كل شيء في المستشفيات. أجرة الكشف والتحاليل والأشعة والتنويم والعلاج والدواء إلخ. وتقوم بمراجعة التسعيرات دورياً كل سنتين مع المستشفيات. وهذه تسعيرات منخفضة مقارنة بما يوجد في دول متقدمة أخرى. فمثلاً، خياطة جرح مساحته ٦ بوصة مربعة لا يكلف سوى ٤,٣ دولار (١٦ ريال سعودي تقريباً). تنويم ليلة في المستشفى لا يكلف سوى ١٠ دولارات (٣٧,٥ ريال). ولهذا، فلا أحد في اليابان يسمع عن حالات الفقر أو الإفلاس أو العجز عن دفع تكاليف العلاج.
والآن، أليس من الأفضل أن نطور أنظمتنا بما يتوافق مع واحتياجاتنا أو أن ننفتح على بقية العالم وأن نستفيد من تجاربهم على أقل تقدير، وأن لا نحصر أنفسنا على الطريقة الأمريكية؟