طوال اتصال هواتفنا بشبكة الانترنت نترك بصمات وأثار وتستخدم هذه”الأثار الرقمية” إلى حد ما من قبل شركات ووسائل الإعلام الاجتماعية التي تخزن وتستخرج كميات كبيرة من البيانات الشخصية لدوافع تجارية. على سبيل المثال ، يقوم Facebook بتخصيص الإعلانات بناء على إعجابات الشخص وعمليات البحث ويقترح YouTube مقاطع الفيديو بناء على سجل المشاهدة ومع ذلك، يمكن أن تلعب كل هذه البيانات الرقمية دور آخر أكثر فائدة مباشرة للمستخدمين حيث تكشف عن شيء مهم حول الصحة العقلية للشخص وقد أدى هذا الاحتمال إلى ظهور مجال بحث جديد يسمى التنميط الظاهري الرقمي والذي يمكن أن يوفر أداة جديدة انتقالية في مجال الصحة العقلية.

تكون العلاقة واضحة أحيانا بين الصحة العقلية وعادات استخدام الأجهزة الذكية. بكل بساطة إذا بدأ الشخص في استخدام تطبيق لإدارة القلق ، فهذا مؤشر قوي على أنه يعاني من القلق وإذا بدأ شخص ما فجأة في استخدام هاتفه كثيرا في منتصف الليل فقد يكون ذلك علامة على إصابته بالأرق.

 


متابعة التنقلات اليومية وعلاقتها بالصحة النفسية

جهاز استشعار GPS على الهواتف والذي نستخدمه لإرشادنا من مكان إلى آخر من الممكن  أن يوفر أدلة إذا كنا نعاني من الاكتئاب. على سبيل المثال ، بعض الأدلة الأولية استنتجت أن الذين يعانون من الاكتئاب يظهر انخفاض في تنوع الأماكن التي يزورونها. يمكن أن تكون أنواع الأماكن مهمة أيضا: دراسة أولية وحيدة وجدت أن المشاركين الذين يعانون من مستويات أقل من الاكتئاب والقلق يميلون إلى قضاء المزيد من الوقت في المواقع الروحية (مثل المعابد وغرف الصلاة) أكثر من أولئك الذين لديهم مستويات عالية، وأن المشاركين غير المكتئبين قضوا وقتا في العمل أكثر من المشاركين المكتئبين ومع ذلك، كانت هذه العلاقات متواضعة وغير متناسقة لذلك هناك حاجة إلى مزيد من البحث حول هذه الفكرة غير المستكشفة.


 

النشاط الاجتماعي وكيفية تتبعه


يمكن أن توفر مستويات النشاط الاجتماعي أيضا أدلة حول عزلة الشخص أو اعتلال الصحة العقلية. دراسة للأشخاص الذين يعانون من الفصام وجدت انخفاض في عدد ومدة المكالمات الصادرة التي أجراها أحد المشاركين وكذلك انخفاض في عدد الرسائل النصية التي أرسلوها ووصلتهم حيث كانت مرتبطة بانتكاسات الاضطراب. اقترح باحثون آخرون استخدام ميزة البلوتوث في الهواتف الذكية لقياس تكرار االلقاءات الاجتماعية غير المتصلة بالإنترنت للشخص-المعروفة بأنها مهمة للصحة العقلية-من خلال اكتشاف عدد أجهزة البلوتوث الأخرى بالقرب من الهاتف الذكي للشخص.

 


تحليل اللغة المستخدمة في شبكات التواصل وعلاقتها بالصحة النفسية

تفتح اللغة نافذة على أذهاننا والاضطرابات في اللغة المنطوقة (مثل استخدام المفردات الفقيرة أو البسيطة) يمكن أن تكون مؤشرات على المرض العقلي. قام أحد المشاريع البحثية بتحليل نسخ من المقابلات المباشرة مع الشباب المعرضين لخطر الذهان ووجدوا أن استخدام لغة أقل تعقيدا ومفككة مؤشر لبدايات الاضطراب. يمكن تطبيق نفس المبدأ على اللغة عبر الإنترنت حيث يمكن أن توفر ملفات الأخبار والمنتديات الخاصة بـ فيسبوك و تويتر و ريدت مصدر غني للمواد اللغوية للكشف عن مشاكل الصحة العقلية. في واحدة من الدراسات قام الباحثون بتحليل المشاركات السابقة على الفيسبوك للمرضى الذين يحضرون قسم الطوارئ. باستخدام هذه المعلومات فقط ، فقد تمكنوا من التنبؤ بشكل موثوق بالمرضى الذين لديهم تشخيص للاكتئاب في سجلاتهم الطبية (بدقة مطابقة تقريبا لاستطلاعات الفحص) حيث كانت اللغة التي تشير إلى العداء أو المشاعر السلبية أو الانشغال بالذات كلها تنبئ بالاكتئاب.

 


طريقة الكتابة والاخطاء الإملائية


حتى تحركات الأصابع حين الكتابة والنقر والتمرير على شاشة الجوال قد تشكل أدلة على الصحة العقلية. على سبيل المثال، قد يسبق حالة مضطربة أو نوبة هوس زيادة السرعة في التفاعل مع الشاشة أو المزيد من حركة الهاتف أثناء الكتابة والتي يمكن قياسها باستخدام مستشعر حركة التسارع الشائع في الهواتف الذكية. دراسة وحيدة أظهرت أن متوسط التأخير بين ضربات المفاتيح ومعدلات التصحيح التلقائي (أي الأخطاء الإملائية) ترتبط بشكل إيجابي مع مقياس الاكتئاب. دراسة أخرى وبمقارنة مجموعتين واحدة لديها ميول الاكتئابية وواحدة بدون أظهرت المجموعة ذات الميول فترات أطول بين الضغط والتوقف على المفاتيح مما يشير إلى تباطؤ وقت رد الفعل الحركي، وهي سمة من سمات الاكتئاب.

 


دوافع الباحثين وإمكانية تقبل الأفراد مراقبتهم لأغراض صحية

فكرة أنه يمكن استنتاج الصحة العقلية للفرد من جهازه الذكي لاتزال في مهدها ولكن بينما ننتظر إجراء التجارب البحثية يجب أن نفكر في السؤال الأكبر عما يعنيه هذا لنا جميعا. في عصر مراقبة البيانات و “الرأسمالية الرقمية”حيث يتم استخراج بياناتنا الشخصية وجمعها لأغراض تجارية فيجب أن نولي الاعتبار الواجب للقضايا الأخلاقية والخصوصية المحيطة بهذه التكنولوجيا.

دوافع الباحثين إيجابية على الأقل حيث أن هذه الأفكار يمكن أن تسهل الرعاية الصحية العقلية فمن الناحية النظرية يمكن مشاركة البيانات التي يتم جمعها على هاتف الشخص طوال اليوم مع الطبيب النفسي في جلسات العلاج الأسبوعية أو يمكن إرسال التنبيهات إلى مقدم الرعاية للمريض إذا تم اكتشاف بعض المشاكل العاجلة. احتمال آخر مثير للاهتمام هو أن المعلومات التي تم جمعها في تطبيق الصحة العقلية -عبارة عن أفكار الشخص أو العواطف ، أو خواطر عن وضعه والمناطق المحيطة به-يمكن استخدامها لتخصيص الاقتراحات العلاجية التي يوصلها التطبيق للمستخدم.

 


استخدام البيانات مع الحفاظ على الخصوصية 

للخوض في هذه التجربة بأمان وخصوصية يمكن للأطباء أو المعالجين تنفيذ أنظمة تزيد من أمان البيانات وتحترم خصوصية المستخدم حيث يمكنهم التأكيد على عدم مشاركة بيانات العميل الشخصية دون موافقته و التحكم في البيانات التي يرغبون في مشاركتها وهي ممارسات بديهية يتم الالتزام بهما بشكل عام في البحث وفي الممارسة السريرية الأوسع. يمكن للأطباء والباحثين أيضا استخراج البيانات الكافية لحدودها الأدنى على سبيل المثال ، لنفترض أن نظام التنميط الرقمي ينطوي على التقاط صوت المستخدم أثناء المكالمات الهاتفية بدلا من تحليل كلمات المستخدم، يمكن للنظام فقط تحليل الخصائص غير اللغوية أو الصوتية للكلام كنبرة الصوت ونغمته، وبهذه الطريقة يمكن إرسال هذه المعلومات الصوتية وحدها إلى مستودع بيانات مركزي ويمكن حذف المكالمة المسجلة بمعلومات التعريف الخاصة من هاتف المستخدم.

السؤال الأكبر هو حول إمكانية جمع واستخدام هذه البيانات لتحقيق مكاسب تجارية. لنفترض أن شركة تكنولوجيا كبيرة أعلنت عن منتج للمستخدم بناء على استنتاج قائم على البيانات حول الصحة العقلية-مثل الإعلان عن مضاد للاكتئاب أو معالج يعتمد على استخدام لغة الشخص أو نوعية المواقع التي يزورها- قد يقول البعض أن هذا يزيد من فرصة الحصول على مساعدة للمحتاجين بينما يعتبره آخرون غزو مقلق للخصوصية وترى فئة ثالثة أن الموضوع يعتمد على أنواع المنتجات التي يتم الإعلان عنها. على أي حال، يجب أن يتوفر خيار إلغاء الاشتراك في مثل هذه الإعلانات إذا تم تنفيذها ، خاصة بالنظر إلى خطر أن بعض الإعلانات قد تزيد من توتر المستخدم.

حتى أفضل أنظمة التنميط الرقمي ستكون غير كاملة فليس هناك أفضل من اختبار طبي دقيق بنسبة مائة في المائة، ومن المهم النظر في إساءة الاستخدام المحتملة لأي بيانات للصحة العقلية. لكن رفض التنميط الظاهري الرقمي بسبب هذه الإساءات هو تفويت فائدته المحتملة على أقل تقدير، يمكن أن تساعد المعلومات المتواجدة في الأجهزة الذكية في عملية صنع القرار من قبل الطبيب ومقدمي الرعاية الصحية العقلية.حتى لو كان هناك فحص ما لايمكن القيام به في المنزل فباستطاعتنا تضيق نطاق الاحتمالات المتوقعة لمرض ما واختيار مسار علاج ملائم بناء على مالدينا من بيانات
تعتمد الرعاية الصحية العقلية التقليدية على الشخص الذي يبلغ عن أعراضه بنفسه والتي يمكن أن تكون غير موثوقة. علاوة على ذلك لا توجد طريقة ثابتة لمراقبة أفكار المريض أو مشاعره أو سلوكه في حياته الحقيقية بمجرد انتهاء جلسة العلاج. وبالتالي فإن القدرة على تقييم الصحة العقلية بشكل موضوعي ومستمر من خلال تحليل الأثار الرقمية اليومية للشخص من الممكن أن يوفر بديل للطرق التقليدية. يمكن أن يكون التنميط الظاهري الرقمي أداة ثورية لمستقبل الرعاية الصحية العقلية.


ترجمة: أماني الغامدي
المصدر