بقلم/ عبدالله الأعرج 

الصادرة من صحيفة مكة

مجلة الجودة الصحية _ دينا المحضار 

 

لا يكاد يمر يوم عمل إلا ونحن نقف أمام إداري في منظمة عمل ما يتحدث بلكنة حانية مع موظفيه ويؤكد أنه في ذلك الموقع لخدمتهم أولا وأخيرا وأنه ليس سوى عود من ضمن حزمة حطب تعمل بشكل واحد فيشد بعضها بعضا وينال أدناهم تماما ما ينال أعلاهم، هذا النوع من الخطاب يحصل حينما يتبسط ذلك المسؤول مع زملائه ويتواضع حتى يكاد يلتصق بالأرض أو ما يعبر عنه الإنجليزي down to earth.

وعندما يعود نفس المسؤول إلى رشده ويتذكر أن العود والحطب لم تعد تضيء هذا العالم الإداري المعتم مثلما تفعل نظريات الإدارة ومفاهيم القيادة وسلاسل الإرشاد الوظيفي والمهني، حينها يبدأ في استدراج معطيات عصرية on trend مثل القيادة التحويلية، والإدارة الاستشرافية، والقيادة التواصلية ثم يعزز ذلك بنثر قليل من مبادئ الإدارة الرشيقة التي تؤكد أن القائد ينجح حينما يتخذ أسلوب العمل التشاركي وروح الفريق، وأن المنظمة تلمع وتبرق في ظل تقبل الآراء والانفتاح على التغيير والتأقلم كفريق مع المستجدات.

وبين الحطب الإداري والرشاقة الإدارية تبقى بعض المنظمات مترهلة وثابتة وجامدة تجاه كل التطورات بل ويزيد الطين بلة رجوعها الملحوظ وتقهقرها أمام التطلعات المرجوة إلى أن تصبح أحاديث (غير محبذة) في مجالس العامة والخاصة ومثلا (بائسا) يستشهد به عند ضرب الأمثال للعبرة والعظة!

والحقيقة الصلبة أن (انتكاسات) الإدارة لا يمكن تخبئتها تماما مثل انتصاراتها، خصوصا حينما تتعلق خدمات تلك المنظمة بشريحة كبيرة من الناس الذين لا يتورعون في البوح الحقيقي بما يعتمر في دواخلهم تجاه أداء تلك المنظمة وصورتها الحقيقية دونما مكاييج الإعلام وسيمفونيات المسؤول المليئة بالإحصائيات الرنانة التي يوجد بها كل شيء ما خلا الواقع المشاهد للمنظمة!

ولأن المستفيد لم يعد مجرد متلقي خدمة بل شاهد عيان ومقيم التجربة، فإن تلك المنظمات البائسة ستجد نفسها دوما تركض في دائرة لا بداية لها ولا نهاية من الدفاع عن تصرفاتها وتفسير قراراتها والتعليل للتناقضات التي تطرأ نتيجة مراحل العمل الإداري المختلفة من الفكرة والتخطيط والتنفيذ والتقييم، وحين تجد شبه متنفس تعود مهرولة في الاتجاه المعاكس من ذات الدائرة لتلمع صورتها النمطية وتحسن مظهرها الرث ثم ما تلبث أن تفاجأ مجددا بلطمة أخرى تأخذها إلى أتون التخبط ومنحنيات العشوائية!

إن رقمنة العمل المؤسسي اليوم بكل أشكاله وانفتاح باب التقنية التواصلية على مصراعيه أحرج القيادات الإدارية بقدر ما خدمهم، ففي عالم التقنية المشاهدة والمسموعة ضاق الخناق تماما على ادعاءات الإنجاز الوهمية والمفاخرات المزيفة فكل من يقرأ ويسمع يملك منبرا فولاذيا يدلي فيه برأيه تجاه المحتوى بل إنه يملك ذراعا طويلة اليوم منحها له الوطن أن لا حصانة لأحد في مسيرة التنمية والترقي.

لذلك، فإنني أنصح كل قيادي في كل منظمة أن يكون عدلا في قوله، عدلا في فعله، عدلا في نواياه، عدلا في سائر أمره، وحين يفعل فإنه لن يخدم منظمته فحسب بل سيكون محل احترام من قبل المستفيد المباشر الذي عركته الأحداث وعاصر المستجدات وعلم بطبيعة الأمور بالقدر الذي يجعله جاهزا على الدوام لتفنيد الحقائق وتفصيل المجمل وإعادة ترتيب الأوراق المختلطة.

dralaaraj@