الوزير الذي أعاد للصحة عافيتها
بقلم/ علي المطوع
مجلة الجودة الصحية _ دينا المحضار
ما زال غازي القصيبي يحظى بتقدير كبير عند المواطن السعودي، وما زالت شخصيته في المخيال الثقافي السعودي مقدرة ومتفردة، كونه كان الاستثناء في حضوره الوزاري في كل الوزارات التي أسندت إليه، يردف ذلك الحضور نشاطاته الفكرية والثقافية والتي عززت من مكانته كشخصية قديرة وجديرة بكل الحب والإعجاب والتقدير.
توفيق الربيعة يسير على خطى الراحل القصيبي في التفرد بإدارة بعض الوزارات المهمة، مسجلا نجاحات شخصية وعملية تجعله رجل المهمات الصعبة، وهذا ما جعله أحد الأرقام المهمة في حراكنا الإداري المحلي، كونه حظي بثقة غير مسبوقة جعلته الأهم بين مجايليه في هذه المرحلة من مراحل إعادة بناء المملكة وفق رؤى التغيير المتعددة والطموحة وأهمها رؤية 2030.
الربيعة ترك وزارة الصحة بعد أن عبر بها وبخدماتها أشد أزمة صحية فتكت بالعالم أجمع، السعودية ومن خلال وزارة الصحة وخلال هذه الأزمة تحديدا، سجلت منجزات صحية كبيرة حظيت بتقدير المواطن والمقيم، وشهد بها كثير من المحايدين الذين رأوا في هذه المنجزات ونتائجها، سلسلة نجاحات أكدت أن السعودية كانت وما زالت من أقدر الحكومات على تجاوز كثير من الأزمات، ولعل كورونا كانت خير شاهد على ذلك، صحيح أن الدولة قد ضخت دعما استثنائيا للوزارة في هذه المرحلة، ولكن حسن الإدارة والبنية الصحية الصحيحة والقوية ساهما إلى حد كبير في تخفيف حدة ضيم وألم هذه الجائحة، التي أسقطت كثيرا من الأنظمة الصحية الغربية العريقة، شاهد ذلك أعداد الضحايا الكبيرة والأزمات الاقتصادية الخانقة التي هزت صور بعض الدول المتقدمة، وأسقطت بعض رموزها، ولعل ترمب وإدارته كانا أحد ضحايا هذه الجائحة الكبيرة وتبعاتها الاقتصادية الخانقة.
الربيعة قدم إلى الصحة متسلحا بتجربة وزارية ناجحة في التجارة، ثبتت نجاحاته على خارطة العمل الوزاري، مما سهل عليه التعاطي مع وزارة كبيرة كالصحة وقضاياها الشائكة، وقبل ذلك خبراته العلمية في المجال التقني، والتي سخرها في خدمة أهداف الصحة وتيسير خدماتها للمواطنين، من خلال إضفاء صفة الأتمتة على كثير من مناشط وزارة الصحة وخدماتها، سواء كان ذلك على مستوى تدشين بعض التطبيقات المستحدثة أو بعض الخدمات الصحية التي تم تغييرها بما يتوافق مع العصر ومتطلباته، هذه النقلات التكنولوجية ساهمت وما زالت تساهم في تعافي الخدمات الصحية وزيادة فاعليتها وسرعتها، مما سهل على الوزارة متابعة تلك الخدمات الصحية، وضبطها بشكل يجعل المستفيد هو الرقيب الأول، ويخول الوزارة ورجالها إعادة تقييم هذه الخدمات على مدار الساعة ومعرفة جوانب النقص التي قد تعتريها، ومدى رضا المستفيد من تلك الخدمات.
هذه التطبيقات وقبلها السياسات التي تم اعتمادها في عهد الربيعة أفرزت للوزارة ما يعرف بمؤشرات العمل والإنتاجية التي يتم قياسها وتسجيلها بشكل شبه يومي، والتي من خلالها يتم إعادة تقييم الخدمات وإصلاحها وتوجيهها وفق الإطار العام لسياسات الوزارة وخططها الطموحة، وهذا ما جعل الوزارة في عهده لا تكتفي بالأرقام المرفوعة من المديريات الصحية، بل وصل الأمر إلى متابعة مصداقية هذه الأرقام ومطابقتها بالواقع المجتمعي واحتياجات المريض، ولعل البعض يتذكر حادثة إعفاء مدير عام أحد التجمعات الصحية في إحدى المناطق الطرفية ومدير أحد المستشفيات المركزية في ذات المنطقة، على خلفية قصور في الخدمات الصحية شكا منه المواطن ولمسه المسؤول.
واليوم يخوض الربيعة مسؤولية وزارية جديدة وهي وزارة الحج والعمرة، والجميع ينتظر منه نجاحا فارقا يأخذ هذه الوزارة وخدماتها إلى فضاءات أرحب من النجاح والإنتاجية، وخاصة في ظل سياسات الرؤية الاقتصادية الجديدة، وما ينظر إلى هذه الوزارة وما ينتظر منها؛ لتكون رافدا يعود بالنفع على الوطن والمواطن، وهذا ليس بغريب على الربيعة الذي شهدت له تجاربه السابقة بالنزاهة والصدق والإخلاص، والروح المثابرة لتجاوز الصعوبات والمعوقات، وهذا ما سيجعل خلفه في وزارة الصحة أمام تحد إضافي جديد، ربما يكون أصعب من سلفه كونه استلم وزارة تعيش على مستوى العافية والرؤى والإنتاجية أزهى فتراتها، وإن كان رضا المواطن وطموحاته من أهم الصعوبات والتحديات التي ستواجه أي وزير لوزارة خدمية؛ فما بالك بوزارة مثل الصحة مسؤولة عن هذا الإنسان منذ الولادة وحتى الممات.
alaseery2@