إلى كل طبيب وطبية
بقلم/ ابراهيم العقيلي
مجلة الجودة الصحية – دينا المحضار
في سبعينات القرن الماضي، انتهى بها المطاف في مستشفى سان فرانسيسكو، عندما داهمها مرض غريب لم يكن معروفاً (آنذاك).. وكادت أن تموت بسببه.. فقد احتار الأطباء في أمرها، ذلك أن مرضها لم يكن معروفاً من قبل، وبالتالي صعُب على الأطباء تقرير بروتوكول علاجها.. تلكم هي الأرجنتينية (إنجي تيريوت)، التي كانت في العشرين من عمرها، عندما قررت الهجرة من الارجنتين إلى الولايات المتحدة، واستقرت في سان فرانسيسكو وتزوجت هناك من أمريكي. لكنها لم تهنأ بهجرتها، فقد فاجأتها حمى مهددة للحياة لم تكن معروفة آنذاك..
وفي نهاية الأمر تم علاج إنجي وشفيت من تلكم الحمى وخرجت متعافية من المستشفى.. ولكن على الرغم من أن إنجي كانت في واحد من أفضل المستشفيات الأمريكية (آنذاك) إلا إنها لم تُبد حتى القليل من الرضى عن جودة الرعاية التي تلقتها.. وكتبت تقول: “كنت على وشك الموت، لكن الأسبوع الذي قضيته في المستشفى كان أسوأ أسبوع في حياتي.. نعم حصلت على أفضل رعاية طبية قد تكون موجودة في هذا الكوكب.. لكن الطريقة التي قُدمت بها هذه الرعاية كانت الأسوأ.. فقد كنت أشعر بإذلال ومهانة شديدين.. إلى حد أني تمنيت لو أني بقيت في الأرجنتين وتلقيت رعاية أقل جودة، لكنها ستكون ممزوجة بكم هائل من الإنسانية والحميمية، وسوف أشعر أني بين أناس يعرفون اسمي ومن أنا ويعرفون عائلتي، والأشياء المهمة لي”.
ومن رأي إنجي في سبعينات القرن الماضي خرج مفهوم جديد في الرعاية الصحية وهو: “الرعاية المتمحورة حول المريض” ثم عُدِل فيما بعد ليكون: “الرعاية المتمحورة حول الأفراد” ليشمل المريض وأسرته وكذا الطاقم الطبي Person-Centered Care (PCC) وهو مفهوم في الرعاية الصحية ما زالت الحاجة إليه حتى اليوم وستظل. إنه مفهوم يركز على العلاقة التي يفترض أن تكون بين الطبيب والمريض (أو المراجع أو العميل).
ونيابة عن جميع المرضى طالبت إنجي تيريوت مؤسسات الرعاية الصحية حول العالم بتلبية احتياجات الأفراد من الاحترام والرعاية الدافئة والداعمة.
لقد كانت إنجي تيريوت ناقمة على الطاقم الطبي الذي أشرف على علاجها ففي نظرها أن الطاقم كان يفتقد لكثير من الجوانب الإنسانية في تعامله معها عندما كانت في طور العلاج. ولذلك على الرغم من أنها شفيت وتعافت من مرض خطير فإنها لم تحمل مشاعر إيجابية للطاقم الطبي ولم تكنّ لهم الامتنان بل كانت ناقمة عليهم كارهة لهم، إلى درجة أنها تمنت لو أنها بقيت في الأرجنتين لكانت كما تقول حصلت على علاج مهما كانت جودته لكنه ممزوج بمشاعر إنسانية عالية كانت مفقودة في مستشفى سان فرانسيسكو.
إن إضفاء الطابع الشخصي على تجربة المريض، وإزالة الغموض عنها، وإضفاء الطابع الإنساني عليها، وإعطاء التركيز الشامل على المريض الذي فقده في الدواء.. وكذا النظر إلى كل ما يمس المريض من وجهة نظره..
وبعد 40 عاماً على إطلاق إنجي صرختها، ما تزال الحاجة قائمة لهذا المفهوم في الرعاية الصحية.
ogaily_wass@