التكامل بين القطاعات الصحية وترشيد الإنفاق
[tabs type=”horizontal”][tabs_head][tab_title]مقتطفة[/tab_title][/tabs_head][tab][author image=”https://www.aleqt.com/img/author/40.jpg” ]د. عبد الوهاب بن عبد الله الخميس
متخصص في قضايا التأمين و السياسات الصحية
@alkhamisabdul[/author]صادرة من صحيفة الاقتصادية
مجلة الجودة الصحية[/tab][/tabs]
أعتقد أن طبيعة المرحلة التي نعيشها تفرض علينا واقعا جديدا يتطلب منا دفع العلاقة بين وزارة الصحة والتعليم من مجرد تعاون محدود الأثر في جوانب التدريب والتشغيل الجزئي لبعض المستشفيات كمستشفى جدة ومدينة الملك عبد الله الطبية إلى تكامل في تقديم الخدمات الصحية خصوصا في إدارة وتشغيل المستشفيات الطرفية. بمعنى أن تتولى الجامعات الواقعة في المناطق الطرفية إدارة وتشغيل المستشفيات التي تقع ضمن نطاقها. والمقصود بالمستشفيات الطرفية مستشفيات وزارة الصحة الواقعة بعيدا عن المدن الرئيسة والواقعة في نطاق الجامعات الناشئة.
هذا التكامل بين الوزارتين أصبح مهما جدا في هذه المرحلة لسببين:
الأول: نشهد حاليا تشييد أعداد كبيرة من المستشفيات سواء تابعة لوزارة الصحة أم لوزارة التعليم عبر جامعاتها المختلفة. هذه المستشفيات سيواجهها تحد كبير بعد الانتهاء من تنفيذها في كيفية إدارتها وتأهيلها بالكوادر البشرية اللازمة في بلد مترامي الأطراف.
الثاني: يشهد العالم أيضا تقلبات لأسعار النفط وحربا على الحوثيين في الجنوب. هذا الواقع يفرض علينا واقعا جديدا لترشيد النفقات الحكومية بما فيها النفقات الصحية.
تبني استراتيجية التكامل في تقديم الرعاية الصحية سيمكن المستشفيات الطرفية من الاستفادة من الموارد البشرية والأكاديمية الموجودة في الجامعات الناشئة. الجامعات الناشئة تزخر بكوكبة من أعضاء هيئة التدريس في مختلف التخصصات الصحية القادرة ليس فقط على المشاركة في تقديم الرعاية الصحية، بل والقادرة على رفع مستوى جودتها. كما أن هذا التكامل في تقديم الرعاية الصحية – في حالة اعتماده – سيوسع نطاق الخدمات العلاجية وعدد المستفيدين، وسيسهم في رفع الطاقة الاستيعابية لهذه المستشفيات في تدريب أعداد أكبر من طلبة الكليات الصحية. كما أن هذا التكامل في حالة تنفيذه سيمكن صانع القرار الصحي من تلبية احتياجات المناطق الطرفية بصورة أكبر وكفاءة أعلى وتكلفة أقل. لم يعد سرا أن بعض المدن الصغيرة محدودة السكان تشهد تشييد مستشفيين أو أكثر بسبب اختلاف المرجعية التشغيلية لها بمعنى أن المستشفى الأول يتبع إداريا لوزارة الصحة، بينما يتبع المستشفى الثاني لإحدى الجامعات الناشئة. . كل مستشفى في هذه المدن الصغيرة سيتم تجهيزه بمختلف الأجهزة الطبية وغير الطبية واستقطاب كفاءات بشرية متخصصة مكلفة لخدمة شريحة محدودة من السكان. كما أنه لم يعد سرا أيضا أنه على الرغم من توحيد الرواتب بين مختلف القطاعات الصحية لكن ما زالت هناك مساحة للتنافس السلبي والمزايدات في تقديم العروض بين مختلف القطاعات الصحية عند استقطابها للكفاءات غير الوطنية في القطاع الصحي على وجه الخصوص. لذا آمل أن يسهم هذا التكامل – في حالة تنفيذه – في تقليل جزء من هذه الممارسات السلبية على أقل تقدير.
الاقتصاديات الصحية تخبرنا أن التكلفة التشغيلية للسرير الواحد للمستشفيات ذات الخمسين سريرا أو المائة سرير أعلى بكثير من التكلفة التشغيلية للسرير الواحد في مستشفيات 300 سرير. لذا فإن المستشفيات الطرفية التي تتميز حاليا بكونها محدودة الأسرة ومتعددة المرجعيات الإدارية (بعضها تابع لوزارة الصحة والبعض الآخر تابع لوزارة التعليم) بحاجة إلى أن تتكامل وتتوحد ليكون أثرها في المنطقة أعلى وأكبر وأشمل. الإحصاءات تخبرنا أن وزارة التعليم عبر مستشفياتها التابعة لجامعاتها ستكون المقدم الثاني للخدمات الصحية بعد وزارة الصحة حين الانتهاء من مشاريعها الإنشائية. المتوقع بحلول عام 1440هـ، أن يبلغ عدد أسرة مستشفيات وزارة التعليم عبر جامعاتها 12 ألف سرير. معظم هذه الأسرة ستكون تابعة للمستشفيات الجامعية في المناطق الطرفية. لذا فإن استثمار هذه الميزانيات بصورة صحيحة سيحقق استفادة أكبر من الميزانيات عبر تقليل التكلفة التشغيليها لتلك المستشفيات. كما سيوفر على الدولة ميزانيات ضخمة لكثرة عدد المستشفيات الجامعية الواقعة في المناطق الطرفية. لذا فالسؤال الحقيقي في هذا السياق، هل هدفنا رفع مستوى تلقي المواطنين للرعاية الصحية في المستشفيات الطرفية، أم أننا نتوقع منها أن تكون مجرد مستشفيات محدودة الخدمات تسهم بشكل سلبي في زيادة الضغط على المستشفيات المرجعية الحالية والمستقبلية؟ إننا بحاجة إلى دعم أي استراتيجية تسهم في ترشيد النفقات بما لا يؤثر في حصول المواطن على الرعاية الصحية التي يستحقها. لذا ومن أجل تحقيق هذا الهدف، علينا السعي نحو تبني سياسة صحية تمنع ازدواجية الإنفاق الحكومي على الصحة وتحقق تكاملا في تقديم الرعاية الصحية. الإنفاق يجب أن يصب في مصلحة المواطن مباشرة. فمثلا تعتبر المملكة المتحدة من أقل الدول الأوروبية صرفا على الخدمات الصحية لكن مخرجاتها الصحية من أفضل الدول الأوروبية، ولعل أحد أسباب انخفاض الإنفاق على القطاع الصحي في المملكة المتحدة يعود نسبيا لكون النظام الصحي البريطاني يقدم الرعاية الصحية عبر جهة واحدة لكل سكان المملكة المتحدة البالغ عددهم أكثر من 63 مليون نسمة (إذا استثنينا القطاع الصحي الخاص)، كما أنه لا توجد ازدواجية إدارية بين مقدمي الرعاية الصحية، فكل الناس يتلقون الرعاية الصحية عبر مستشفيات NHS وفقا لموقعهم الجغرافي. هذه السياسة أسهمت في منع الهدر الناتج من تعدد المرجعيات الصحية الحكومية ومن ثم ازدواجية أعداد الخدمات الصحية المقدمة.
لا شك أن تحقيق التكامل في تقديم الرعاية الصحية بين مختلف القطاعات الصحية له فوائد أخرى غير الجوانب المالية والتشغيلية والتدريبية التي ذكرتها. فمثلا تبني سياسة التكامل بين القطاعات الصحية الحكومية المختلفة يرسل رسالة واضحة مفادها أن الأهم توفير الخدمة العلاجية للمواطن بجودة عالية وتكلفة محدودة بغض النظر عن من يقوم بهذه المهمة وبغض النظر عن الاختلاف فيما بينها تنظيميا وإداريا. كل القطاعات الحكومية مرجعيتها موحدة وميزانيتها من مصدر واحد، فلماذا توضع حواجز فيما بينها وكأن التوسع في تقديم الخدمة هدفه زيادة نطاق الوزارات المعنية بدلا من التوسع في نطاق الخدمة المقدمة للمواطن؟
ختاما: آمل أن يجد هذا الاقتراح دراسة جادة من قبل وزارات المالية والصحة والتعليم فهو يسهم بإذن الله في تقليل النفقات الحكومية ورفع الجودة الصحية وزيادة أعداد المستفيدين من الخدمات الصحية وزيادة نطاقها. التكامل بين وزارة الصحة ووزارة التعليم يحقق فوائد للوزارتين معا، وكلتا الوزارتين رابحة من هذا التكامل. فمن جهة سيمكن هذا التكامل الجامعات الناشئة من زيادة أعداد الطلبة المتدربين في مستشفياتها ورفع مستوى كفاءات كادر أعضاء هيئة التدريس فيها، ومن جهة أخرى ستستفيد وزارة الصحة بتخفيف الأعباء الكبيرة والمتعددة والمتداخلة لها. كما سيسهم هذا القرار في خفض تحويلات المرضى من قبل مستشفيات المناطق النائية للمستشفيات المرجعية.
فمن يقرع الجرس؟