الصادرة من صحيفة – عكاظ

مجلة الجودة الصحية

محمد أحمد الحساني

اقتضت الثقافة الإدارية والاجتماعية أن يتخذ كل مسؤول إداري أو مالي مديرا لمكتبه ينظم أمور الاستقبال والمعاملات والمراجعين وأوقات الاجتماعات وغيرها من أمور العمل، وهذا الموقع قد يكون في أساسه إيجابيا ومساعدا في تسهيل دورة العمل الإداري أو المالي وخدمة المراجعين وأصحاب الحاجات خدمة نظامية، ولكن الموقع نفسه قد يصبح من أدوات عرقلة العمل وتعطيله عندما يتقوقع المسؤول الإداري في مكتبه ويمنح مدير المكتب كامل الصلاحية في عرض ما يراه من معاملات وحجب ما يراه، وتسهيل مهمة المقابلة لمن يريد ومنع آخرين بحجة أن المدير مشغول في اجتماعات وأعمال دائمة لا تنقطع!

 

إن إعطاء مثل هذه الصلاحيات لمدير المكتب -أي مكتب- تحوله إلى رجل قوي في الإدارة وتجعل أصحاب الحاجات يطلبون رضاه بأي ثمن.. أقول بأي ثمن! فيما يصبح مدير الإدارة نفسه مجرد «طرطور» جالس على المكتب أو السرير ليس لديه أدنى علم بما يجري حوله ويدور لأن مدير مكتبه أمسى عينه التي يرى بها ويده التي يبطش بها وأذنه التي يسمع بها، وقد يكون سعيدا بتلك العزلة، مريحا نفسه من «دوشة» المراجعين والمعاملات داعيا بالخير لمدير مكتبه الذي يصفه بالألمعية وأنه لم يخطئ عندما وضعه في «يمناه» أي يمينه بالفصحى!، ولكنه قد يفاجأ ذات يوم أن مياها آسنة كانت تجري من تحته وأن مساومات خبيثة كانت تتم خلف بابه وأنه ينطبق عليه قول الشاعر:

 

وتؤخذ باسمه كل الرشاوى

 

وما من ذاك شيء في يديه

 

فإذا فاحت الروائح وزكمت الأنوف ووصل المحققون وسألوه أخذ يصيح وينوح أنه لم يكن يرى أو يسمع أو يتكلم!، وقد تظهر التحقيقات أنه لم يكن غبيا ولكن كان يتغابى ويدير ظهره ويصرف سمعه وبصره عما يقوم به مدير مكتبه لأنهما كانا يطبقان المثل الشعبي القائل: امسك لي فاقطع لك!