الصادرة من جريدة – الرياض

مجلة الجودة الصحية

د.محمد عبدالله الخازم

 

 

    يشكل المستشفى الجامعي- التعليمي العبء الأكبر والمسبب للصداع بالنسبة لادارات الجامعات التي تتبعها مستشفيات تعليمية، فالمستشفى الجامعي يعتبر حالة مختلفة عن بقية كليات ومراكز الجامعة البحثية والتعليمية، حيث مهامه تتجاوز الأدوار الاكاديمية التعليمية المعتاد القيام بها من قبل الجامعة، إلى تقديم الخدمات الطبية والصحية ذات الكلفة العالية. هذا العبء وبالرغم من خبراتنا التعليمية والادارية الصحية المتراكمة لم يتم دراسته بجدية ووضوح وبالتالي فإن صعوبات المستشفيات الجامعية المالية والادارية والتنظيمية والخدماتية والتعليمية، تتفاقم يوماً بعد يوم، حتى تحولت لدى كثير من قيادي القطاع الصحي التعليمي، إلى حالة مزمنة يتم التعامل معها كما هو منطق الأطباء مع الحالات المزمنة التي لا يوجد لها علاج شاف، وإنما يتم علاج بعض أعراضها ومحاولة تقليل وتأجيل مضاعفاتها قدر الامكان.

لقد كان أول مقال كتبته في صفحة حروف وأفكار، عن المستشفيات الجامعية وحظي حينها بإشادة أكثر من عميد من عمداء كليات الطب والمتابعين، وأعود بعد حوالي أربعة أعوام للكتابة في نفس الموضوع ليس بغرض تكرار ما تم طرحه سابقاً، فيمكن لمن أراد، الحصول على المقالات السابقة عن طريق أرشيف الجريدة أو بالتواصل مع كاتبه، وإنما أذكر بأن الإشكالية لازالت ماثلة، وهناك كليات طبية جديدة في طور الإنشاء سيكون من مقوماتها إنشاء مراكز تعليم طبية، فما هي الأسس التي يجب أن تبنى عليها تلك المراكز؟

أولى المفاهيم الرئيسية للمستشفى الجامعي، هي ملكيته ومرجعيته الادارية، وهناك نموذجان شائعان في هذا المجال، النموذج الأول وهو الذي تأخذ به غالبية الكليات الطبية السعودية القائمة، إن لم يكن جميعها، هو إمتلاك الجامعة وادارتها لمستشفاها الجامعي، وهذا نموذج يحاكي النموذج القائم في الجامعات الأمريكية، مع اختلاف في طريقة ومرجعية ادارة المستشفى الجامعي داخل النظام الاداري الجامعي، فمستشفياتنا الجامعية تتبع كليات الطب، ويشرف عليها مباشرة عمداء كليات الطب، بينما غالبية المراكز الجامعية الطبية في الولايات المتحدة يسير التوجه نحو إدارتها بشكل شبه منفصل من الناحية المالية والادارية عن الكليات الطبية، ويتم اشتراك الكليات الطبية والصحية وادارة الجامعة والجهات ذات العلاقة في ادارتها عن طريق تشكيل مجالس ادارة تشارك فيها تلك الجهات، تقنن تلك المجالس العلاقة بين الكلية الطبية أو الصحية والمستشفى الجامعي، ونظام عمل أساتذة الجامعة في المستشفى أو المركز، وكذا إسهام الموظف بالمستشفى أو المركز في العمل الأكاديمي… الخ.

النموذج الثاني لمرجعية المستشفى الجامعي من ناحية الملكية والادارة تتمثل في امتلاك الجهات الصحية الخدماتية للمستشفى وربطه بالجامعة عن طريق مشروع تعاون واعتراف متبادل بدوره التعليمي التدريبي من قبل الجامعة، والجهة المالكة، هذا النموذج هو الغالب في كندا، حيث الجامعات لا تملك المستشفيات الجامعية، وإنما هي تساهم في ادارتها عن طريق مجالس المستشفيات التعليمية، وتساهم مالياً بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق تعيين أعضاء هيئة التدريس بها، كاستشاريين يعملون في تقديم الخدمة الطبية للمرضى. وفي هذا النظام أيضاً يوجد مجلس ادارة مشترك بين الجامعة والجهة مالكة المستشفى كوزارة الصحة، والجهات ذات العلاقة يتولى رسم والإشراف على السياسات العامة للمستشفى، وكذا تحديد نوعية ومستويات وصلاحيات العلاقة بين ادارة المستشفى التنفيذية والجامعة التي يرتبط بها المستشفى من الناحية الأكاديمية والتعليمية، مع ما يشمله ذلك من تحديد مساهمات كل طرف في العملية الخدمية للمرضى والتعليمية والبحثية والتدريبية للطلاب والأكاديميين…

بالتأكيد لكل نظام ايجابيات وسلبيات، وإن كانت كلياتنا الطبية اتبعت التوجه الأول، من ناحية تملك الجامعة لمستشفاها الجامعي، فإننا حتماً مقبلون على النموذج الثاني في ظل التوسع في التعليم الطبي، حيث لا يبدو في الأفق قدرة أو توجه الكليات الطبية الجديدة نحو بناء أو شراء مراكزها الجامعية الطبية، وبالتالي فهي ستلجأ إما إلى المشاركة في تطوير وادارة بعض المستشفيات القائمة بمنطقتها، أو نقل ملكية بعض المستشفيات لتكون مقرات تدريب وتعليم لكليات الطب الجديدة. تبني هذا النموذج رغم بساطته الواضحة، يتطلب وجود آلية تنسيق وتعامل واضحة ما بين المستشفى والجامعة، في المجالات المالية والادارية والخدماتية، فهل لدينا أرضية صالحة للتعاون بين الجامعة، أو كلية الطب ووزارة الصحة أو الجهات الصحية الأخرى بمنطقة الكلية الطبية؟ ما هي رؤية الكليات الطبية الجديدة ووزارة الصحة، في هذا الشأن، على افتراض ان مستشفيات الصحة ستكون الخيار المتاح لتتحول إلى مستشفيات جامعية؟

بغض النظر عن أي النموذجين يتم تبنيه، فإن النقطة الرئيسية التي يجب مناقشتها بشكل عملي تتمثل في فصل ادارة المستشفى الجامعي عن عمادة أو ادارة الكلية الطبية، بحيث يصبح للمستشفى الجامعي كيان اداري ومالي وتوظيفي مستقل عن كلية الطب، ويتبع إما إدارة الجامعة مباشرة، أو يتم ادارته بطريقة مستقلة تشارك فيها الجامعة والجهة المالكة للمستشفى، عن طريق الاشتراك في مجلس أعلى لادارة المستشفى تشارك فيه الكليات الطبية والصحية المستفيدة من خدماته، وادارة المستشفى التنفيذية والجهات ذات العلاقة بما في ذلك ممثل أو ممثلون عن المجتمع وعن القطاع الخاص…

حينما نطالب بفصل ادارة المستشفى الجامعي عن ادارة كلية الطب، بالذات في جانب الادارة التنفيذية، فهذا يتطلب بيان بعض السلبيات التي قادت وتقود إليها ادارة المستشفى الجامعي عن طريق ادارات كليات الطب، وهي سلبيات نطرحها دون تخصيص لأنها تمس الجميع، وعلى ادارات الجامعات دراستها بجدية، إن هي أرادت التطوير الفعلي المبني على أسس واضحة تخدم المستقبل، وتخدم الجامعة والمستشفى وكلية الطب على حد سواء.

ارتباط أو تبعية المستشفى الجامعي ادارياً لكلية الطب جعله يبدو كقسم من أقسام الكلية، مما قلص امكاناته وميزانيته وصلاحية القائمين عليه ادارياً، فمالياً يفترض أن يكون المستشفى الجامعي أكثر كلفة من المستشفى العادي بحكم تعدد أدواره ما بين تعليمي وتدريبي وبحثي وخدماتي، ولكن ما هو حاصل عكس ذلك فالمستشفيات الجامعية لا تحظى سوى بمبالغ متواضعة جداً تمثل جزءا من ميزانية كلية الطب التي هي بدورها جزء من ميزانية الجامعة، وأذكر هنا مقارنة سريعة لايضاح كم هي ميزانية المستشفى الجامعي متدنية جداً، فميزانية جامعة الملك فيصل بأكملها حوالي ستمائة مليون ريال فقط، بينما ميزانية مستشفى الملك فيصل التخصصي السنوية تزيد على المليار ونصف المليار، حسب تصريح سعادة المشرف عليه، أي أكثر من ضعف ميزانية جامعة الملك فيصل بأكملها، وهي الجامعة التي يتبعها ثماني كليات وفي طور إنشاء ثلاث كليات طبية جديدة، ويتبعها اضافة إلى المستشفى الجامعي مستشفى بيطري، ترى لو كان المستشفى الجامعي ذا كيان اداري ومالي مستقل عن كلية الطب، أو عن ادارة الجامعة، هل كان سيحظى بمثل هذا التهميش والتواضع؟

عمادة الكلية الطبية مشتتة بين الهم الأكاديمي، والهم الخدماتي، وتزداد المأساة في كون عميد الكلية الطبية ما هو إلا أكاديمي مشغول بهمه البحثي والتعليمي، وليس لديه الخيرات والتعليم الاداري المؤهل للقيام بالأدوار الادارية الضخمة لكلية الطب ومراكزها الطبية، وحتى في ظل افتراض توفر الخبرة والحماس والكفاءة، فإن ذلك العميد ما هو إلى عابر سبيل يقضي عامين أو أربعة على كرسي العمادة، تحكمه لوائح أكاديمية تتعارض وتحد من مفهوم الادارة التنفيذية التي يكون فيها المدير مسؤولاً عن محاسبته منسوبي مؤسسته، بما فيهم الأطباء الاستشاريون المعنيون بتقديم الخدمات الطبية المتنوعة، والتعامل معهم وفق نظام اداري واضح المعالم… عميد كلية الطب يتعامل مع أطباء المستشفى الجامعي وفق النظام الأكاديمي، وهو نظام لا يستجيب لمتطلبات الادارة والتنظيم، وأدى ويؤدي إلى إنفلات الوضع الاداري وصعوبة التحكم فيه من قبل عميد كلية الطب..!

وضع المستشفى الجامعي الحالي وجعل عميد كلية الطب مشرفاً عليه، أدى إلى حصر فائدته التعليمية على كليات الطب، أو بمعنى آخر قلص استفادة الكليات الصحية الأخرى من المستشفى الجامعي ككليات العلوم الطبية التطبيقية وكليات طب الأسنان والصيدلة وغيرها، لأنه ببساطة لا يوجد تمثيل اداري بالمستشفى يمثل تلك الكليات، وتبقى استفادتها معتمدة على تعاطف الطبيب عميد الكلية الطبية، وبالتالي فالمستشفى الجامعي لم يعد مستشفى جامعيا يخدم جميع الكليات الطبية والعلمية بشكل متساو وفعال، وإنما هو مستشفى كلية الطب فقط، وهذا وضع مضر بالعملية الأكاديمية وبالذات في جوانبها التدريبية لطلاب الكليات الطبية – الصحية، غير الطب.

تولى عميد الطب الإشراف على المستشفى الجامعي، اضافة إلى عمادة كلية الطب التي تحظى بالبريق والوهج الاجتماعي الذي يتفوق على أي وهج آخر تمثله كلية أخرى، أدى إلى تضخم الذات لدى بعض عمداء كلياتنا الطبية وتعاملهم مع منصب عمادة كلية الطب، كمنصب اجتماعي، إن لم نقل تجاوزاً كمنصب سياسي (هذه الصفة سمعتها قبل سنوات من أحد عمداء كليات الطب ووصفه لاجتماعات عمداء كليات الطب الدورية وسبب عدم فعاليتها). مثل هذا التضخم ولن نقول البانوريا، حتى لا يغضب البعض، قاد إلى عدم حماس بعض العمداء لعملية التطوير الاداري للمستشفى الجامعي في مساره الصحيح المتمثل في فصل المستشفى عن كلية الطب، مما يدعوني إلى التلميح لمقام وزارة التعليم العالي وادارات الجامعات بأهمية الحياد في مناقشة هذا الموضوع بعيداً عن سيطرة الأنا والذاتية التي قد نجدها لدى عمداء الطب ونظرتهم نحو التنظيم الاداري للمستشفى الجامعي.

ختاماً نذكر بأن لكل عمل صعوبات، وإحدى الصعوبات الرئيسية التي تعترض التطوير الاداري تتمثل في الخضوع للسائد والمعتاد اجتماعياً، والسائد لدينا هو إشراف كليات الطب على المستشفيات الجامعية من الناحية الادارية التنفيذية، وآن الأوان لمناقشة ذلك بطريقة موضوعية مدروسة من الناحية العلمية والعملية.