الصادرة من صحيفة – عكاظ

مجلة الجودة الصحية

د. عبدالاله الهوساوي

 

 

هل تعلم أن الأمراض القلبية هي المسبب الأول للوفاة في المملكة، ومع ذلك فإن عدد برامج قسطرة الشرايين التاجيّة للحالات الطارئة في مناطق المملكة المختلفة أو ما يُعرف بالـ (PRIMARY PCI) لا يكاد يزيد عن أصابع اليد الواحدة؟!

 

– هل تعلم أن حوادث السيارات في المملكة هي المسبب الأول للوفاة للأشخاص فئة الأربعين سنة وأقل، ومع ذلك لا يُوجد إلى الآن برنامج وطني متكامل (National Trauma Program) للتعامل مع الحوادث والإصابات في المملكة؟! السؤال الذي يطرح نفسه: هل القطاع الصحي في المملكة مُهيأ للتعامل مع الأمراض والمشاكل الصحية الأكثر شيوعاً في المملكة؟

 

للإجابة عن هذا السؤال، نحتاج في البداية أن ننظر إلى القطاع الصحي السعودي بمكوناته المختلفة.

 

ينصح خبراء الأنظمة الصحية الدول أن تنظر إلى النظام الصحي كأداة لها مكونات وأهداف.

 

أما المكونات، فهي ما اتفقت منظمة الصحة العالمية على تسميتها اللّبنات الست أو (Six Building Blocks). وهي كما يلي: ١- الإدارة والحوكمة. ٢- طريقة تقديم الخدمة الصحية.

 

٣- الموارد البشرية الصحية. ٤- النظم المعلوماتية الصحية.

 

٥- التقنية الطبية.. من أدوية و مُعدَّات طبية. ٦- التمويل الطبي.

 

وأما بالنسبة لأهداف النظام الصحي فتنقسم إلى 3 أهداف رئيسية:

 

١- تحسين صحة الأفراد والمجتمع: من خلال برامج الرعاية الصحية التدعيمية (Promotive)، والوقائية (Preventative)، والعلاجية (Curative)، والتأهيلية (Rehabilitative).

 

٢- تحسين مستوى رضا المرضى عن الخدمة الصحية.

 

٣- توفير الحماية المادية للأفراد والمجتمع (Financial Protection).

 

بناء على ما ذكرت أعلاه، هل هنالك استراتيجية وطنية صحية (ولا أقصد هنا استراتيجية وزارة الصحة فقط!) تعمل على تحقيق الأهداف المذكورة أعلاه؟

 

سأقوم بمناقشة الأهداف التي يجب أن تحققها الاستراتيجية الصحية الوطنية في المملكة، عن طريق تسليط الضوء على بعض الأمور الصحية المهمة:

 

١- تحسين صحة الأفراد والمجتمع:

 

إذا سلمنا أن الأمراض الأكثر شيوعا في المملكة، هي:

 

السمنة المفرطة، السكري، ارتفاع ضغط الدم، أمراض القلب وتصلب الشرايين، وحوادث السيارات.

 

هل وُضع هدف محدد لكل واحد من هذه الأمراض؟

 

مثال: بحلول سنة ١٤٤٥، سيقوم القطاع الصحي بتقليل نسبة مرض السكري بمعدل ٣٠%، وبنفس الطريقة التي وُضع بها الهدف لمرض السكري، يتم وضع أهداف محددة بتواريخ محددة للأمراض الشائعة الأخرى.

 

ولو فرضنا أن هنالك هدفا واضحا لكل مرض (مع أنه حاليا لا يوجد)، ما هو دور القطاعات الصحية المختلفة لتحقيق هذا الهدف؟

 

ما هو دور وزارة الصحة، الحرس الوطني، الدفاع، المستشفيات الجامعية، التخصصي، قوى الأمن، الخاص،

 

ولماذا لا يتم ترتيب مقدمي الخدمة الصحية بناء على ما يخدم المريض، وليس بناء على الطريقة التقليدية المبنية على المرجع؟ مثال: في مدينة جدة، يُعتبر المستشفى العسكري (وزارة الدفاع) من أفضل مقدمي الخدمة لعلاج أمراض القلب. فبدل أن يكون هنالك ٨ – ١٠ مراكز لعلاج أمراض القلب في جدة (مع تفاوت كبير في الجودة و المُخرجات)، لماذا لا يتم زيادة الطاقة الاستيعابية للمستشفى العسكري في جدة وتحويله إلى مركز مرجعي لعلاج أمراض القلب في المنطقة الغربية وتوجيه غالبية استشاريي أمراض القلب للعمل فيه؟

 

تخيل الزيادة في جودة وفعالية تخصص أمراض القلب في مدينة جدة إذا تم تطبيق مثل هذه الخطوة؟!

 

٢- تحسين مستوى رضا المرضى والمجتمع عن مستوى الخدمة الصحية:

 

من المهم أن تحتوي الاستراتيجية الوطنية الصحية على معايير لقياس الأداء (KPI) يأخذ بعين الاعتبار مستوى رضا المرضى وعوائلهم عن جودة الخدمة الصحية المُقدمة.

 

ماذا لو تم ترتيب المستشفيات في المملكة بناء على مستوى الرضى؟!

 

٣- توفير الحماية المادية للأفراد والمجتمع:

 

إذا كان معدل دخل الموظف السعودي حوالي ٧ آلاف ريال شهريا، وتعرض ابنه (أو أحد أفراد أسرته) لظرف طارئ يحتاج تدخلا جراحيا ولم يجد إمكانية دخول في مستشفى حكومي، سيضطر إلى الذهاب إلى مستشفى خاص وقد تصل فاتورة العلاج إلى أضعاف دخله الشهري!

 

مع الأسف تتكرر هذه القصص كثيرا والسؤال الذي يطرح نفسه: متى سيتم إعادة النظر في التمويل الصحي بطريقة تزيد الجودة والفاعلية، وتوفر الحماية المادية للمواطن السعودي؟

 

لتكون الاستراتيجية الصحية مكتملة، يجب أن يكون هنالك خطة واضحة لكل جزء من اللبنات الست (Six Building Blocks) للقطاع الصحي السعودي:

 

– مجال تقديم الخدمة الصحية:

 

فمن الأمثلة هنا: الاقتراح الذي ذكرته أعلاه بخصوص تقديم علاج أمراض القلب في مدينة جدة.

 

كذلك ذكرت في مقال سابق بعنوان: ما الذي تستطيع الهند أن تعلمه أمريكا، استراتيجية المحور والفروع أو ما يُعرف بال (Hub & Spokes) كطريقة لزيادة الفعالية وتقليل التكلفة.

 

– كذلك هو الحال مع بقية الأجزاء (اللبنات) الأخرى للقطاع الصحي، فلن تكون الاستراتيجية الصحية متكاملة إذا لم تُوضع خطة واضحة ومحددة لها.

 

أعتقد أنه قد آن الأوان بأن يعمل المجلس الصحي السعودي على وضع استراتيجية وطنية صحية (لا أقصد هنا استراتيجية وزارة الصحة فقط!) تركّز على المشاكل الصحية الشائعة ولها أهداف وأجوبة واضحة ومعايير قياس أداء محددة، وإلا فأخشى أن تصل مشاكل القطاع الصحي إلى مرحلة يكون فيها تصحيح المسار أكثر صعوبة وأغلى تكلفة!