الصادرة من صحيفة – عكاظ

مجلة الجودة الصحية

غسان بادكوك

 

مضت نحو 8 أشهر منذ تعيين معالي المهندس خالد الفالح وزيرا للصحة في 29 أبريل الماضي، ومنذ ذلك الحين قرأنا لمعاليه الكثير من التصريحات الإعلامية، والأكيد هو أن الفترة التي انقضت منذ تعيينه ليست كافية لحل المشاكل المزمنة للقطاع الصحي، ولكنها أكثر من كافية لكي يقوم معاليه بالتشخيص الدقيق لحالة المنظومة الصحية المحتقنة، وزيادة الشفافية مع المواطنين، وتطوير رؤية محددة لكيفية التعامل مع التحديات والعوائق؛ وذلك وفق برنامج زمني معلن، وهذا ما يجعلني أعتقد بأن معاليه لم يتمكن حتى الآن من وضع يده على مواضع الخلل في الوزارة.

 

اعتقادي السابق له ما يبرره وهو أن تصريحات الوزير المقتضبة غالبا، لم تكن واضحة بما يكفي لإطلاع الرأي العام على إستراتيجية الوزارة وخططها التطويرية؛ التي نسمع عنها كثيرا ولكننا لم نلمس نتائجها بعد!، كما غابت عن أحاديث الوزير أية مؤشرات (KPIs) لقياس كفاءة أداء الوزارة!، يحدث ذلك رغم الإنفاق الهائل للدولة على البنى والخدمات الصحية، هذا إضافة إلى أن بعض القرارات الإدارية التي أصدرها الوزير؛ لم يكن لها برأيي تأثير يذكر على تحسين الخدمات الصحية أو التعامل بجدية واحترافية من تحديات القطاع.

 

ولكي أكون أكثر تحديدا، سأستعرض فيما يلي بعضا من التصريحات المنشورة في صحافتنا والمنسوبة للوزير، ثم أعلق عليها:

 

– في 5 مايو الماضي قال الوزير: (لا توجد آليات جاهزة لتوفير التأمين الصحي للمواطنين)، إلا أنه في 21 يونيه عاد للتأكيد على أن (وزارة الصحة تجري حاليا دراسة لموضوع التأمين)، وها نحن اليوم وبعد انقضاء 6 أشهر من ذلك التصريح، لا نعلم ما الذي تم بشأن موضوع التأمين؟!، بل ولا نعرف حتى متى ستنتهي تلك الدراسة!.

 

– وجاء في خبر صحفي عنوانه: (الفالح يقضي على الاستجداء)، أن معاليه قام بتوجيه الإدارة المختصة بسرعة التجاوب مع طلبات العلاج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن واقع الحال على وسائل التواصل، وصفحات الجرائد يؤكد استمرار تلك الطلبات يوميا؛ حتى الآن، رغم أن هذا الخبر تم نشره في 11 مايو الماضي، أي منذ أكثر من 6 أشهر!.

 

– وفي تصريح مهم لمعاليه، تم نشره بتاريخ 22 يونيو الماضي كشف الوزير بأنه: (سيتم الانتهاء «قريبا» من دراسة ملف المشاريع الصحية المتعثرة والمتأخرة، وسيتم إعادة إطلاقها وفق إستراتيجيات جديدة)، ورغم مضي فترة كافية على ذلك التصريح، لا نعلم حتى الآن ما الذي تم بشأن استئناف العمل في تلك المستشفيات؟، ولا عرفنا مصير تلك الدراسات والإستراتيجيات؟!.

 

– أما في 12 يوليو الماضي، فقد نفى الوزير ما يتردد عن خصخصة المستشفيات الحكومية وقال: (نحن نبني مستشفيات جديدة)، ولكنه لم يورد أي تفاصيل عن تلك المستشفيات، مثل أماكنها، وطاقاتها الاستيعابية، وتاريخ الانتهاء من بنائها، كما أثار معاليه في نفس التصريح نقطتين جوهريتين أولهما قوله: (إننا نقدم للمواطن خدمات صحية أفضل مما هو موجود في الدول الأخرى)!، ويبدو أن الكثير من المواطنين يختلفون مع (رأي) معاليه في هذا التصور، أما النقطة الثانية فهي قوله إن: (تمديد ساعات العمل هو أحد الحلول التي تنظر إليها الوزارة، للتخفيف من معاناة بعض المرضى من مشكلة تباعد المواعيد)، وسؤالي هنا: هل تحقق شيء من ذلك؟.

 

– في 27 نوفمبر الماضي كان لمعاليه تصريح غريب؛ قال فيه: (لن تكتفي الكوادر الطبية السعودية بتقديم الخدمات الصحية داخل المملكة فقط، بل سيأتي اليوم الذي نبعث فيه بخبراتنا الصحية إلى العالم)!، ورغم تفاؤل هذا التصريح، إلا أن حديث معاليه، أثار حفيظة أكثر المواطنين هدوءا لأنهم يعلمون أن بيننا وبين الاكتفاء الذاتي من الكوادر الصحية (الوطنية)، عقودا عديدة!، خصوصا أن معاليه لم يتطرق إلى الأسس الموضوعية التي بنى عليها توقعاته المتفائلة!.

 

وأكاد أجزم بأننا لو سألنا مواطنين (عاديين) عن أبسط تطلعاتهم من مرافق وزارة الصحة، فإن إجاباتهم لن تخرج حتما عن بضعة مطالب أساسية تشمل:

 

– توفير سرير فوري لعلاج الحالات المرضية الحرجة التي لا تحتمل التأجيل، وتقصير فترات انتظار مواعيد الكشف، والارتقاء بخدمات المراكز الصحية الأولية.

 

– تسهيل حصول المرضى في مدن الأطراف على الخدمات الصحية دونما حاجة لانتقالهم إلى المدن الرئيسية.

 

– تشديد العقوبات على الأخطاء الطبية، وتغليظ التعويضات المالية على مرتكبيها.

 

– تيسير إجراءات العلاج في الخارج، أو في المستشفيات التخصصية للحالات التي تتطلب ذلك، وإتاحة الفرصة للمواطنين (المدنيين) للعلاج في المستشفيات التابعة لبعض القطاعات.

 

– توفير المزيد من الأسرة في غرف الطوارئ، والعناية المركزة، وحضانات الأطفال حديثي الولادة.

 

– رفع مستوى الخدمات التمريضية والمساندة، وصرف قيمة الأدوية المكلفة للمرضى محدودي الدخل؛ حين لا يجدونها في صيدليات المستشفيات الحكومية.

 

وبالطبع فإن تحقيق المطالب السابقة سيتطلب أولا رؤية مختلفة تماما عن ما تطبقه وزارة الصحة حاليا، كما تحتاج أيضا لقدر كبير من الواقعية والعمل الجاد، وقدرا أقل من التصريحات الإعلامية، أو وضوح أكثر فيها.

 

ختاما، أرجو أن يتسع وقت معالي الوزير للاطلاع على مقالي المنشور في هذه الجريدة بتاريخ 17 فبراير الماضي بعنوان: (تصور «خارج الصندوق» لحل قصور الخدمات الطبية).