الصادرة من صحيفة – عكاظ

مجلة الجودة الصحية

حمود أبو طالب

انتبهوا أيها الناس لهذا الكلام:

 

«القدر الأكبر من المسؤولية حول حريق مستشفى جازان يقع على المسؤول الأول عن قطاع الصحة، ولذا فالمساءلة تقع علي شخصيا قبل أي أحد».

 

هل سمعتم من قبل مثل هذا التصريح الذي قاله وزير الصحة المهندس خالد الفالح؟

 

شخصيا، ورغم زعمي أني متابع دائم ودقيق لتصريحات المسؤولين في المشاكل والكوارث لم أسمع أو أقرأ أن مسؤولا تحلى بالشجاعة الأدبية وتحمل مسؤوليته النظامية والقانونية والأخلاقية ليقول: أنا مسؤول في النهاية عما حدث. صحيح أن المهندس خالد ليس له سوى فترة قصيرة في وزارة غارقة في المشاكل، ومن غير الإنصاف تحميله تراكماتها، لكنه كان شجاعا ومختلفا بهذا التصريح الاستثنائي الذي لم نسمعه من مسؤولين آخرين أمضوا عقودا في مسؤولياتهم ويمكن تحميلهم المسؤولية المباشرة عن مشاكل كثيرة لأنها طبخت في مكاتبهم ونفذها المسؤولون الذين اختاروهم.

 

ومع تقديرنا للمهندس خالد الفالح وشكرنا له على اجتراح نمط جديد من التعاطي مع المسؤولية واحترام تبعاتها، أود أن يسمح وقته لقراءة الآتي:

 

حريق مستشفى جازان ليس سوى نتيجة مباشرة بديهية لحرائق أكبر في الوزارة التي تتسنم مسؤوليتها. حرائق لا يعلو دخانها في السماء وإنما يتغلغل في أجساد المرضى. حرائق تقدح شراراتها في كثير من الأنظمة واللوائح التي اخترعها أناس حولوا إدارة المرافق الصحية إلى مشروع لا يختلف عن أي مشروع آخر يتنافس فيه مقاولو «وكالة البلح» للفوز بأكبر قدر من المكاسب.

 

يا معالي الوزير، أنا لا أقول ما أقول جزافا بل عن معرفة أكيدة لأن لي أكثر من عقدين من الزمن محسوبا على وزارتك، وكان بإمكاني أن أملك فيلا في بيفيرلي هيلز، وشقة فاخرة في باريس، ومنزلا جميلا في ضواحي لندن، أما العواصم العربية فإنها ستكون أقل من ثمن ضميري المباع لشركة تشغيل أو حتى مقاول صيانة. والحمد لله الذي ألهمني الثبات وإلا لم أكن قادرا على قول ما أقول بمنتهى الجهر والتصريح. لا تظن أنني لم أدفع الثمن غاليا، لكني راض به، وسعيد أيضا، وأمد رجلي إلى آخر العالم.

 

الصحة يا معالي الوزير ليست منافسة يفوز بها أدنى سعر من مقاول متخاذل.

 

الصحة ليست مسؤولين يوقعون محاضر تسليم واستلام على أشياء لم يعاينوها، أو عاينوها ووقعوا تحت إغراء من الذي دفع أكثر.

 

الصحة ليست مجالا للمعاقين في كفاءتهم وضميرهم.

 

الصحة تعني أن يكون المسؤولون عنها أصحاء في القدرة والكفاءة والضمير. وإلا فنحن من حريق إلى حريق.