لم تسلم لغة الخطاب العلمي كما هو الحال في الخطاب اليومي من المبالغة في الحكم على الأمور في مختلف مناحي الحياة , و الأجهزة الإلكترونية ليست إستثناءاً لهذه المبالغات.

و المايكرويف يكاد أن يقع في قمة هرم هذه الأحكام والمبالغات المغلوطة.

 فكثيراً ما نسمع الأوساط العلمية المدعومة بعلم المنطق تردد أن ” المايكرويف يسبب السرطان بسبب تسرب أشعة مُضرة تُفقد الأغذية قيمتها الغذائية”

وللأسف هم اقتربوا من ذيل الحقيقة وابتعدوا عن كبدها ولب لبابها.

وعليه، لا بد من أن توضع الأمور في سياقها الطبيعي بعيداً عن المعلومات المغلوطة أو المبالغات المقصودة أو الحقائق المنقوصة.

 هنالك تساؤلان غالباً ما يتصدران الحديث عندما نتحدث عن المايكرويف:

الأول : هل التسخين باستخدام المايكرويف يفقد الأغذية قيمتها الغذائية ؟

بشكلٍ عام تنخفض القيمة الغذائية للأطعمة عند طبخها بغض النظر عن طريقة الطبخ

فالعلاقة غالباً عكسية بين القيمة الغذائية ودرجة الحرارة ووقت الطبخ.

 لكن بالمقارنة بين طريقة الطهي بالغلي في الماء وبين التسخين بالمايكرويف، فالطبخ بالغلي في الماء لامحالة يُفقد الغذاء بعض الفيتامينات التي تذوب في الماء في المقابل التسخين بالمايكرويف لا يتطلب إضافة ماء اذاً لا فقد هنا للفيتامينات .

السؤال الثاني:

هل استخدام المايكرويف يسبب السرطان من خلال الأشعة المتسربة ؟

يظهر جليّاً ولا يُمترىٰ فيه لكل دارس في مجال الأغذية أن الفارق بيّنٌ شاسع بين أشعة المايكرويف (طويلة الموجة ومنخفضة الطاقة)

وبين أشعة جاما و اكس ( قصيرة الموجة عالية الطاقة)، إذ أن الأشعة الكهرومغناطيسية المستخدمة في المايكرويف هي أشعة لا تحمل الطاقة اللازمة لكسر الرابطة الجزيئية في الخلية الإنسانية. الميكانيكية خلف وظيفتها في تسخين الغذاء هو التناوب الجزيئي لجزيئات الماء في الغذاء مما يشكل طاقة حرارية.

حيث وضعت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية مقاييس لشركات تصنيع المايكرويف بحيث لا  يزيد تسرب هذه الأشعة الكهرومغناطيسية عن 5 ميكروواط / سنتمتر مربع.

كما أكدت دراسة نُشرت في عام 2٠١٣ في فلسطين الحبيبة للبروفيسور Lahham والتي شملت عدد ١١٦مايكرويف، أن الأشعة المتسربة في المتوسط لم تزد عن ٣.٦٤ ميكروواط/ سنتمترمربع.

 وهذه النتيجة تؤكد أن خطوة واحدة للخلف أثناء تسخين الغذاء في المايكرويف كفيلة بأن تقلل التعرض للأشعة التي من الأساس لا تمتلك الطاقة لإحداث الطفرة المسرطنة بنسبة ٩٩.٩٩٪ .

دراسة أخرى أجريت في مملكتنا الحبيبة و في جامعة الملك سعود تحديداً أكدت أن تسرب الأشعة لم يتعدى ٢.٤٤ ملي واط / سنتمترمربع.

إذن : إذا كنا نستخدم الهاتف المحمول الذي يُطلق نفس الأشعة الكهرومغناطيسية التي تتسرب من المايكرويف فإننا معرضون على مدار الساعة لأضعاف مضاعفة من خطر نفس الأشعة من كل الأجهزة المتصلة بشبكة الاتصال من حولنا.

فلما الخوف والمبالغة من ٣.٦٤ ميكروواط قد تتسرب من المايكرويف ؟!

ما دمنا نتعرض لهذه الأشعة على مدار الساعة باستخدامنا لأجهزتنا الالكترونية؟

في الختام، عزيزي القارئ بكل تأكيد هنالك أشعة متسربة من المايكرويف لكن الحقيقة التي أجمعت عليها عشرات الأبحاث أن مستوى الأشعة المتسربة لا يكاد يُذكر.

 إذا تحدثنا بلغة التأثير على الجسد فأشعة المايكرويف ليست أشعة جاما أو اكس، وبمقارنة ما يتسرب من المايكرويف مع صديق الجميع ( جهاز الجوال ) تلمع فقاعة المبالغة ولا تصمد أمام حقائق المقارنات العلمية.

إن أصبت فمن الله ومنّه وكرمه وإن اخطأت فمن نفسي والشيطان.