كطبيبة أسنان في مركز عيادات يقع في وسط مدينة الرياض، وكعادة كل الأماكن في تلك المنطقة، ستجدها مكتظّة بالعمالة الوافدة وبعض السعوديين من ذوي الدخل المحدود أو المتوسط.
ذات يوم وصلت العيادة، فاستوقفني مريض ، وكانت ذراعه تعاني من تشوّه جسدي كما ظننت، وكان شكلها للوهلة الأولى يوحي بأنها تنزف؛ شعرت بالتعاطف تجاهه حتى كدت أن أدفع له تكاليف العلاج، أو بأن أعطيه علاجًا مجانيًّا.
سألته عن سبب الإصابة، فأجابني بإيجاز بأنه سبق وأن تعرّض لحادثة، ثم سأل عن تكاليف العلاج، فأجبته.
في تلك الأثناء ألقيت نظرة عن قرب على ذراعه التي كان يتعمد إبقاءها مكشوفة دون شاش أو غيره 
في حين كنت أتأمل تلك الذراع التي تبدو كأنها قد فرّت من إحدى روايات عصور الظلام، أو من الروايات الواقعية السوفييتية، قاطعني الرجل ليطلب مني تقريرًا عن حالة أسنانه، وأصر أن أكتب التكاليف المادية في التقرير،  سألته حينها عن الجهة التي يريد توجيه التقرير إليها، فلم يجبني، وحاول التهرب من الإجابة.
نظرت إلى ذراعه بتركيز أكبر، وعندها استنتجت أن التشوّه لم يكن إلا صبغة صناعية وألوان تشبه الدم، لكنّها كانت عملًا فنيّا واحترافيّا، ولولا تحديقي المستمر، لما شككت للحظة بأنها إصابة حقيقية. 
عندها سألته أكثر عن السبب الذي أراد من أجله التقرير الطبي، وباعتبار أنها غير موجهة لأي جهة نظامياً لا أستطيع أن أعطيه أي وثيقة مهما كانت. 
أجابني بكلمات سريعة ومقتضبة بأنه يريدها ليريها أهل الخير، وليحصل منهم على المساعدة، عندها أدركت بأنه يريد استعطاف الناس بهذا التقرير، ولم يخطر ببالي من قبل أن الاحتيال وصل إلى هذا النوع من المستويات، وفِي غضون لحظات أخبرني أنه يريد أن يذهب إلى دورة المياه، لكنني أظنه شعر بالريبة والقلق من إبلاغ الجهات المختصة، لأنه ببساطة ذهب ولم يعد.

استرجعت في مخيلتي جميع المتسولين ومن يمتلك مثل هذه التقارير الطبية، وكيف تقوم الجهات المعنيّة بإصدار تلك التقارير دون أن يتأكدوا. 
الجدير بالذكر أن هذا كان يومًا عاديّا ضمن أيام عملي في هذا المركز، الحياة مع الناس تملأ ذاكرتك بالحكاية 

 

بقلم د/ بدور العمودي

بكالوريوس طب وجراحة الاسنان