بقلم/ تركي السبهان.

بات الرضى الوظيفي محورا هاما وأٌفردت له العديد من الأبحاث والدراسات العلمية في القرن الواحد والعشرين. كما انه يوجد العديد من العوامل التي تساعد على نجاح أي منشأة فإنه وبلا شك يبقى الرضى الوظيفي محركاَ رئيسياً يسهم إيجابا بإنجاح العمل. لا يمكن الاغفال عن ان الرضى الوظيفي هو عنصر هام لأي بيئة عمل وجزء لا يتجزأ من نجاح أي منشأة. توجد عوامل عدة تدفع الفرد نحو الرضى الوظيفي لعل من أهمها: المرتب٬ العلاوات المالية٬ المزايا الوظيفية٬ الاشراف الإداري٬ وكذلك الحال بالنسبة لما يُعرف بالعوامل الداخلية مثل: التقدير الذاتي٬ الاستقلالية٬ العلاقات٬ والأمن الوظيفي.

يتأثر النظام الصحي الحكومي في المملكة العربية السعودية سلباً بسلسلة مستمرة من الاستقالات التي يتقدم بها عموم الموظفين. بناءً على التقرير الإحصائي السنوي لوزارة الصحة، وعلى مستوى طاقم التمريض مثلا فمنذ عام ٢٠١٣ تزداد نسبة العاملين بالتمريض في المستشفيات الحكومية في المملكة العربية السعودية بنحو ٢،٨٪ سنويًا، ولكن في عام ٢٠١٧ وبسبب معدل استقالات تقدم بها أكثر من ١٢٠٠ ممرض وممرضة انخفضت نسبة العاملين بمجال التمريض الى ٣،١٪. وكما هو معلوم يؤدي معدل الاستقالات المرتفع إلى نقص عددي لطواقم العمل وبالتالي يمكن تحميل هذا النقص مسؤولية مباشرة لتقليل جودة تقديم خدمات الرعاية الصحية. من جهته فتدني جودة خدمات الرعاية الصحية يؤثر سلبًا على رضى الموظفين وكذلك المرضى.

هناك علاقة طردية لا يمكن الاغفال عنها بين الرضى الوظيفي وجودة الخدمات الصحية المُقدمة. كما يمكن التمييز بين مظاهر الرضى الوظيفي التي تتلخص في النزعة لدى الفرد بأن يكون راضيا عن العوامل الوظيفية والرضى الوظيفي الكلي والذي يعتبر مؤشراُ لاتجاهات الفرد نحو وظيفته بصورة إجمالية وكلا المظاهر مرتبطان ببعضهما فالرضى الكلي أو العام مرتبطان ارتباطا وثيقا برضى الافراد وظيفيا. كما انه يمكننا التأكيد على أن الرضى العام للموظفين يؤثر بشكل كبير على الجودة العامة بشكل مباشر.

التطوير واستمرارية تحسين الجودة وخدمة المرضى وتلمُس احتياجاتهم والتعرف عليها والقيام بها يقود إلى رضى عام يشمل الموظفين والمرضى. والتركيز الواضح مؤخرا على تجربة المريض كأحد الأهداف التي تسعى وزارة الصحة من خلالها التعرف على الطرق المؤدية لرضى المرضى والعمل عليها وتحقيقها٬ يجعلنا نؤمن أن الرضى العام للموظفين قد يكون طريقا لتحقيق رضى المريض. لا تكاد تخلوا دراسة استخلصت رضى وظيفي منخفض المستوى الا وكانت الجودة شاملة منخفضة كذلك٬ وعلى العكس وُجدت الجودة الشاملة العالية قرينة للرضى الوظيفي العام. وكون الجودة الشاملة تركز على التحسين المستمر وكذلك على المريض الذي أصبح محل اهتمام متزايد من كافة المنظمات الصحية فالاحتفاظ بالموقف التنافسي بالنسبة لهذه المنظمات مرتبط بقدرتها على تقديم خدمة صحية ذات جودة عالية تلبي احتياجات المريض الذي يعدّ المحور الذي تدور حوله كافة الخدمات المُقدمة. كما أن التركيز على الموارد البشرية والتي تعد أهم العناصر الإنتاجية في المنظمات الصحية يعد أهم ركائز الجودة. تنمية وتحفيز الكفاءات البشرية وتوفير بيئة العمل الإيجابية هي أهم ركائز إدارة الجودة الشاملة وذلك لأن تلك الكفاءات هي المسؤولة عن اتخاذ وتطبيق القرارات الاستراتيجية والتنفيذية للجودة الشاملة.

بناءً على نظرية هيرزبرج وعوامل التحفيز الداخلي لبينك، يمكن ملاحظة أن هناك عوامل تحفيز داخلية (محسوسة) وخارجية (ملموسة) يمكن أن تؤثر على مستوى الرضى الوظيفي العام. قام بينك بتحديد ثلاثة عوامل جوهرية داخلية مرتبطة بالرضى الوظيفي، وهي:

١- الاستقلالية: الشعور بأن عمل الموظف هو نتيجة الاختيار الطوعي للانخراط في هذه الوظيفة

٢- التحسين: الرغبة في السعي باستمرار إلى التحسن في مهمة أو مهارة أو سلوك يهم الموظف شخصيًا

 ٣- الدافع: الشعور بأن عمل الموظف يخدم قضية أو هدفًا أكبر من نفسه.

لمعالجة العوامل المحسوسة المتمثلة في الاستقلالية والتحسين والدافع من تحقيق الرضى الوظيفي، يمكن للمدراء إنشاء ثقافات عمل تحفز الموظفين على الأداء في أفضل حالاتهم وأكثرها إرضاءً وتحقيقا للتوازن بين مصالح الموظفين ومصالح العمل ونجاحه٬ كما يمكن لهذه العوامل أن تؤدي ليس فقط إلى نجاح العمل، ولكن أيضًا إلى موظفين منتجين وصحيين وسعداء.

وكما هو الحال بالنسبة للعوامل الداخلية (المحسوسة) يمكن ملاحظة أن هناك عوامل خارجية (ملموسة) يمكن أن تؤثر على الرضا الوظيفي. لعل من اهم هذه العوامل هي:

١- الراتب: العامل الأساسي لإرضاء كل نوع من الموظفين تقريبًا في المنشآت الحكومية او الخاصة او الربحية

٢- الترقيات: فرص التقدم وظيفيا وماديا

٣- الإشراف الجيد: الدعم والتقييم العادل يمكن أن يكون حيويًا في تعزيز الرضا الوظيفي

ولعله من الجدير بالذكر ان العوامل الخارجية وكذلك الداخلية متعددة الا ان الدراسات الحديثة اكدت ان الاستقلالية والتحسين والدافع والراتب والترقيات والإشراف الجيد هي العوامل التي تحتاج المنشأة لتوفيرها حتى تصل لدرجة الرضى العام للموظفين.

كما أنه لا يمكن اغفال ان اشراك الموظفين في عمل جماعي يساعد على زيادة الولاء والانتماء للمنشأة وأهدافها٬ كما أنه يعد عامل فعال لتشخيص المشكلات وإيجاد الحلول الصحيحة لها من خلال التواصل المباشر بين الموظفين. ويجب كذلك خلق ثقافة المنشأة او منظومة العمل، بحيث يتم السعي من خلالها للوصول لمرحلة الانسجام بين القيادة والموظفين مـع بيئة إدارة الجودة الشاملة، وذلك عن طريق تبني قيم ومفاهيم قائمة على العمل التعاوني، بمشاركة جميع العاملين بالمنشأة بلا استثناء، ويكون (الهدف من رضى الموظفين هو رضى المريض) من خلال تقديم خدمة صحية ذات جودة عالية.

إن إدارة الجودة قائمة على فرص التطوير والتحسين٬ وهي عملية غير منتهية مهما بلغت كفاءة وفعالية الأداء. كما ان مستوى الجودة وتوقعات المرضى ليست ثابتة بل متغيرة، لذلك يجب تقـديم الجودة ومراجعتها والعمل على تحسـينها بشـكل مستمر. كما انه يجب تطبيق إدارة الجودة الشاملة من خلال وضع رؤية مستقبلية محددة واهداف بعيدة المدى تسعى المنشأة الصحية لتحقيقها. على المنشأة الصحية ان تسعى وبشكل دؤوب للتطور والتحسن وملامسة توقعات المرضى ووضع الأهداف العامة والوصول لرضى المريض من خلال الخدمة الصحية المُقدمة وذلك لن يتم بدون وجود طاقم عمل متكامل وكافي لتقديم الخدمة والذي بدوره لن يتم كذلك بدون الوصول للرضى العام بين الموظفين.