بقلم/ د. دليله بونحوش

وأنت تشعر أنّك معتقل في مساحة ضيّقة من التّفكير الأسود والكآبة الدائمة رغم أن كل ما حولك مفتوح وواسع، ستشعر بالوحدة والغربة عن كل من هم حولك. ستجد نفسك مختلفا عنهم بشكل يولد لديك التوتر والقلق، لا تستطيع أن تتمادى في مشاركتهم حديثا شيقا عن مشروع نزهة أو رحلة، ولا تملك القدرة على مشاهدة فيلم اجتماعي رومانسي، ولا تشعر بأي نوع من اللذة وأنت تناقش قضايا المستقبل… سيكون كل ذلك مرهقاً بالنسبة لك لأنك ستراه مجرد خزعبلات وأكاذيب، بل على الأغلب  ستشعر بكراهية أو باحتقار لكل الذين يضحكون، أو يثنون على الحياة والناس، ستجد نفسك ترغب بقطع ألسنتهم ولجم ضحكاتهم، وإيقاف ترهاتهم واكاذيبهم التي تعمل كمثقاب في جمجمتك… فأنت تعرف حقيقة واحدة وهي أنك حزين وبائس؛ لا تجد متعة في وجودك ضمن هذه الجماعة البشرية الحمقاء، ولا تفهم كيف يضحك هؤلاء المعتوهون، وكيف يستمرون في الذهاب الى السّوق، والجلوس في المقاهي،  ومزاولة أعمالهم العبثية غير ذات نفع أو فائدة…

فبالنسبة لك كل شيء انتهى؛ لم تعد تصدق بوجود السعادة أو الفرح أو الطمأنينة… إن هي إلا كلمات مجرّدة من كل ما يقابلها من معنى، كلمات فارغة ومستفزة تجعل عينيك تقطران دما، وعروقك تستنفر على وشك الانفجار، فأنت على يقين أنّ كل ما يوجهونه لك من نصائح كلام فارغ لا يستحق الالتفات إليه ولا الإصغاء له…

ليس هذا فحسب بل ستصبح غير قادر على بذل أدنى جهد، جسمك ثقيل لا تقوى على تحريكه، ربّما قد تفشل حتى في إقناع عضلاتك بالتحرك من أجل الاستحمام، لتبقى غير عابئ بشكلك المقرف الباعث على الشفقة،  كما أنّه لا شيء يدفعك لأن تعيش حياتك بكل أبعادها، فأنت متقوقع على نفسك في عزلتك، لا تشعر بالحب عطاء ولا استقبالا، يملؤك اليأس، متعجب من هؤلاء الذين يتمنون ويحلمون ويتحدثون عن مشاريع يريدون تحقيقها حتى على المدى البعيد، تتمنى أن تختفي فجأة لتنتهي كل تلك الأصوات التي تنقر رأسك في كل لحظة من اليوم والليلة، وقد تقرر فجأة في إحدى شطحات تفكيرك البعيد عن المنطق أنه عليك أن تضع نهاية لحياتك وهنا أسوء ما يمكن أن تصل إليه…

لأنك في الأغلب توجّه انتقادات لاذعة لنفسك، وتحمّلها عبئا من تأنيب الضّمير لا طاقة لك عليه، لهذا فأنت ترى نفسك أحقر الناس وأكثرهم ابتذالاً ودناءة وقذارة، ومن هنا ترخي لسياط ذاتك العليا الحبال فتنهال عليك تقريعا وذمّا، ولا تجدها ترضى بكل ما قد تمدّه الأنا من أعذار طلبا لشيء من الغفران …

هنا عليك أن تتوقف لتعرف أنك قد لبست نظارات سوداء قاتمة لا يمر من خلالها النور الذي يجعلك ترى الحقائق الكاملة في حدود مجتمعك، ثم في حدود كونك إنسانا …

تلك السوداوية التي أنت فيها إن استقرت معك لمدة طويلة فاعلم أنك مصاب بالاكتئاب هذا الاضطراب النفسي الذي نراه بسيطا وهو معقد و نظنه صعب الشفاء منه وهو في الحقيقة سهل…

من خمسة إلى عشرة أشخاص من مائة، سيُسقطون محتوى ما سبق عليهم، ولكن هل سيمتلكون الوعي اللازم لغربلة أفكارهم وعزلها ثم إطلاق حكم عادل عليها؟

لأسباب تختلف من شخص لآخر، سيعجز الكثيرين عن معاملة أفكارهم بما يناسبها من منطق ومستوى فهم ووعي، كثيرون يقررون أنّهم عاجزين عن مقاومة الاكتئاب رغم محاولاتهم العديدة، ولكن ما رأيهم أنهم في الحقيقة يقفون في صف الاكتئاب ضد كل فكرة سليمة تخالف عقائده، فهم دون أن يشعروا ولاؤهم لذلك الوحش الذي ينهشهم كل لحظة، وكأنهم يمارسون نوعا من المازوشية ضد ذواتهم…

يستطيعون الخروج من تلك الشرنقة الخانقة، وبسهولة بليغة فقط إن طرحوا أرضا كل معتقداهم المتعلقة بأعراض اضطرابهم، وامتثلوا بثبات لكل فكرة تنبع من المنطق وتقترب من الحقيقة …

فكيف يمكن للمكتئب أن يتخلص من عقائده الضّالة؟