{ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ }

نتحدث اليوم عن قضية مهمة وهي قضية التطوع بمفهومه الخاص وهو تقديم خدمة للناس دون بحث عن ربح أو مقابل مادي ,إنها قضية جوهرية أصيلة في ديننا، وهي جزء من تكوين المسلم وإيمانه
إن موسى عليه الصلاة والسلام جاء غريبا إلى هذه البئر ورأى امرأتين ضعيفتين لا تتمكنان من الورود على الماء انتظارا لفراغ الأقوياء من السقيا , إنه منظر يعبر عن ثقافة مجتمع سيء ليس فيه من يبترع لتقديم الخدمات الطوعية للضعفاء
فتقدم فسقى لهما .
هذا بالضبط ما نريد الحديث عنه
الخدمة التي لا تقع ضمن واجباتك ومسؤلياتك الخاصة ولا من مهام مهنتك
عن الخدمة العامة والإسهام في تسهيل حياة الآخرين وتخفيف معاناتهم دون البحث عن أرباح مالية أو مكتسبات وظيفية
الحديث عن الجهود التي ستقدمها في مجال خدمة الفقراء أو المرضى أو تحسين الحياة في الحي والجيران والمدينة والوطن والعالم
إنه مفهوم إنساني متجذر في فطرة الإنسان
 
بينما رجل يمشي بطريق ؛ إذ اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب وخرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له . فقالوا : يا رسول الله ! وإن لنا في البهائم لأجرا ؟ فقال : في كل ذات كبد رطبة أجر
لقد كان في وسعه أن يمر كما مر آخرون كثيرون بهذا الكلب، لكنه رجل مختلف رجل يشعر بدوره التطوعي في الحياة، وأن الحياة ليست مجرد مكاسب ماديةخاصة وأرباح مالية تقوم على المعاوضة والعقود
لقد كان متأكدا أن الكلب لن يقول له شكرا
وأن ليس في وسع كلب قد قتله العطش أن يمنحه مالا
في دواخلنا جوع كبير لتحقيق ذواتنا والشعور باحترام وجودنا، ولن يتحقق ذلك دون إسهام حقيقي في الحياة
لقد اكتشف الكثيرون أن أرقام الأرصدة في البنوك لا يضيف لهم قيمة فعلا، وأن اتساع الأراضي وكثرةالقصور والمحلات، لم تغير شيئا من نظرتهم لأنفسهم
قبل عقود من الزمن كان الناس يسلكون الطريق مشيا بين تهامة والحجاز عبر هذه الجبال والعقاب،
 
فقام رجل فصنع بركة في عقبة سنان هذه التي تعرفونها، وذلك لحفظ الماء للمارين من العطشى والمصلين
ليس هناك جهة أمرته بذلك ولم يكن يبحث عن مقابل مادي أو شهادة شكر من أحد
إنه شعور داخلي عميق في نفس طيبة محبة للإسهام والإضافة الطيبة للآخرين
إنه مثال جدير بالاحترام والتسجيل
لا أجد غضاضة في التنويه باسمه هنا الأستاذ غرم المقر رحمه الله برحمته الواسعة
أيها الأحبة
إننا نملك الكثير من الوقت، وفي وسعنا أن نمنح جزءا منه للتطوع لخدمة الآخرين
لا بد أن يكون العمل التطوعي جزءا من حياتنا وتفكيرنا واهتمامنا
كلنا دون استثناء بمختلف قدراتنا وشهاداتنا وأوضاعنا المالية يمكن أن نقدم خدمة ما
يمكن أن نصنع من أنفسنا إضافة جميلة للحياة
الحياة أيها الطبيب ليست فاتورة أو راتبا فقط
أيها المهندس كم رسما قدمته بدون مقابل؟
أيها المعلم كم حصة يمكن أن تسهم بها في تحسين أحوال الفقراء دون مقابل مادي؟
أيها الإنسان طاقاتك التي تملكها هل في وسعنا أن نحصل على شيء منها دون أن تطالبنا بالأجر؟
في ورشة، في مغسلة، في بقالة، في محل الملابس أو في مواد البناء …
سيارتك كم مشوارا يمكن أن تمنحه لخدمة المحتاجين لها؟
العمل التطوعي بوابة للفرح والشعور العميق بالارتياح، يمكن أن نساهم لتكون حياة الآخرين أفضل
الملايين في العالم ينضمون بصورة متزايدة الآن للمؤسسات التطوعية ويسافرون في كل قارات العالم بحثا عن القيمة لحياتهم، والمعنى لوجودهم
أثرى أثرياء العالم يتبرعون بنصف ثرواتهم، لأنهم أدركوا أن الدولار لايصنع سعادتهم، ولا يغير من مشاعرهم
فكيف بمؤمن يدرك أن الله أعطى رجلا الجنة بسبب غصن شوك نحّاه عن طريق المسلمين
التطوع ليس مالاً فقط
موسى لم يقدم مالاً للفتاتين، وكذلك من سقى الكلب ونحى غصن الشوك
التطوع أن تفعل أي شيء يقدم خدمة للآخرين ويسهل حياتهم ويخفف من معاناتهم
 
وأهم منه أن تقرر أن تمنح في حياتك مساحة حقيقة تقدم من خلالها شيئا جميلا للناس
أيها الشاب فكر جيداً كيف تجعل لحياتك معنى حقيقي، هل تعرف أن أنبوبة غاز تحمل لعجوز أو أرملة ستغير من مشاعرك، وإحساسك بالحياة
يمكن أن تعيش حياتك منطلقا مستمتعا بشبابك وحيوتك وتأجج الطاقة فيك، وأنت تركض من أجل الآخرين،
 
الشباب هم وقود العمل التطوعي بقلوبهم الغضة ونفوسهم الطيبة
شاب يحمل هم التوعية في أصدقائه بالحفاظ على الممتلكات العامة
وآخر يجند نفسه لتحذيرهم من التدخين والمخدرات
وثالث ينشر فيهم الثقافة الصحية
 
ومجموعات تتفق على تحسين النظافة في الحي أو المدينة
وقروبات تحمل هم التوعية بخطورة التفحيط والسرعة
 
يمكن أن يكون هذا التطوع بخبراتك أو مهاراتك أو بوقتك
تخيلوا أن نصف مجتمنا اقتنع بأن يقدم إضافة حقيقة مجانية بدون أجر لنا
كيف ستتغير الحياة من حولنا؟
رأيت رجلا مقطوع اليدين والرجلين يقدم محاضرات في تطوير الذات ومساعدة الآخرين على تجاوز آلامهم، وهو مصور في الفيديو
كان الآلاف يشاهدون ويضحكون ويبكون وهو يغير حياتهم
لا تقل أبدا ليس لدي ما أقدمه
كلا بل أنت تملك الكثير، لكنك ربما لا تملك الحماس الكافي لذلك
حين تملك الحماس ستجد ألف طريقة لتصنع شيئا جميلا للحياة
والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه….

           [author image=”https://pbs.twimg.com/profile_images/605857688057036803/Ikm09-oy.jpg” ]د.عبدالله بن بلقاسم 

@dr_Balgasem[/author]