نقلًا من الصحيفة الاقتصادية.

 

إذا كان “المريض الافتراضي” يعيش في عالمه، فإن عالم الميتافيرس الافتراضي الذي يتوقع أن يشكل امتداداً للحقيقي، يغزو يوماً بعد يوم المجال الصحي، من خلال ابتكارات واعدة وأجهزة تكنولوجية توفّر تسهيلات لكنها في الوقت نفسه تفتح الباب أمام مجموعة مخاطر.
وتشهد خدمات الصحة الرقمية بعدما عززت الأزمة الصحية انتشارها، ومنها الاستشارات عن بعد، وتطبيقات متابعة المرضى عبر الإنترنت ، واستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال التشخيص … أما الآن فيضاف إليها عالم ميتافيرس الافتراضي الذي لا يزال قيد التطوير، والذي يطال بشكل أساسي الألعاب والأنشطة الاحتفالية كالحفلات الموسيقية.

وسبق لشركات صناعة الأدوية أن دخلت هذا المجال، إذ ابتكرت شركة “فايزر” الأمريكية “هيموكرافت”، وهي نوع من الألعاب عبر الإنترنت يتعلم من خلالها المصابون بالهيموفيليا إدارة علاجهم. وفي الآونة الأخيرة، بدأت شركة “إنفيزالاين” الأمريكية لمصففات الأسنان عيادة تفاعلية لطب الأسنان على ميتافيرس لتشجيع الصور الرمزية أو بالأحرى أصحابها الحقيقيين على “معرفة المزيد عن المنتج من خلال محادثة مع طبيب أسنان أو اخصائي تقويم أسنان”.
وفي فرنسا ، اختارت عيادة “كيلينيك دي شانزيليزيه” للطب التجميلي التي يقصدها الميسورون وتتمتع بحضور قوي على الشبكات الاجتماعية تنظيم مؤتمرها الأول في ميتافيرس عن موضوع علاجات السمنة.
وحضر المؤتمر عبر الإنترنت بضع عشرات من الشخصيات الرمزية. في القاعة الافتراضية، وجدوا أنفسهم أمام المحاضرين الذين راحوا يعرضون لهم الإجراءات الممكنة.
وهدف ذلك إلى تمكين المرضى الذين لا يجرؤون على زيارة الطبيب في العالم الحقيقي من أن يستعلموا بواسطة الكمبيوتر وهم جالسون في بيوتهم.
ومع أن الهدف في ذاته ليس ثورياً، فإن التطبيقات المحتملة قد تتجاوز مجرد التوعية. ففي باريس، يخطط استاذا الطب بوريس هانسيل وباتريك ناتاف لإطلاق شهادة جامعية مخصصة لدور ميتافيرس في الرعاية الصحية في مارس 2023.
ويصف البروفيسور ناتاف ميتافيرس بأنه “فرصة مذهلة؛ وخصوصاً في ما يتعلق بالتدريب، إذ سيتيح للجراحين الموجودين في بلدين مختلفين مساعدة بعضهم بعضاً، وستكون أدواتهم قادرة على التفاعل بفضل الواقع المدمج”، اي اندماج العالمين الواقعي والافتراضي.
ويشرح “سيكون لعمليتنا الجراحية نوع من صندوق أسود، يشبه ذلك المتوافر في الطائرة، بما يمكّننا بعد العملية من تحليل ما فعلناه خلالها”.
ويقول البروفيسور هانسل “بفضل ميتافيرس، يمكننا أن نجعل لشخص ما، بكل خصائصه، “توأمه الرقمي” من أجل طب مفصّل على قياس كل شخص”. ويضيف مطمئناً “لن نستعيض أبداً عن إعلان التشخيص، أو مرافقة المريض، ببديل افتراضي”.
أما أخصائية التغذية لمياء زيناي التي شاركت في مؤتمر عيادة الشانزليزيه عن السمنة عبر ميتافيرس، فترى في هذا العالم الموازي عنصراً مهماً، وتقول “في حال كانت توجد وصمة اجتماعية في شأن مرض ما، فإن ميتافيرس بشخصياته الرمزية يمكن أن يساعد المرضى، ويتيح لهم التواصل مع موفري الرعاية الذين يرشدونهم إلى سبل مواجهة حالاتهم المرضية”.
وبدأ ميتافيرس يجذب المستثمرين مع أنه لا يزال في بداياته. ويشير تقرير لشركة “ماكينزي” إلى ان الاستثمارات في القطاع وصلت إلى 120 مليار دولار عام 2022. إلا أن ميتافيرس يثير بعض المخاوف وخصوصاً في مجال الصحة. ومن هذه المخاوف ما يتعلق بالجمهور المعني، إذ أن قسما من الناس لم يتمكن من مواكبة الانتقال إلى الخدمات العامة الإلكترونية.
علاوة على ذلك، من سينظم استخدام الميتافيرس في الصحة ومن سيراقب ما يحصل فيه؟ تقول لمياء زيناي “يجب أن يكون مخصصاً لفرق طبية وأن تتوافر له أطر تنظيمية جيدة حتى لا يتعرض المرضى الشباب لوابل من الإعلانات”.
وتشدد زيناي على ضرورة عدم نسيان مسألة أساسية هي فاعلية الحلول التي قد يتم اقتراحها.
وإذ يلاحظ هانسيل أن “المرحلة الأولى الراهنة يجب أن تشهد تحديد الاحتياجات”. ويضيف “لسنا بحاجة إلى أجهزة، ولكننا بحاجة إلى مناخات معينة حتى نتمكن من علاج مرضانا”.