يكاد يكون مجال الرعاية الصحية أفضل مثال لتوضيح فكرة البيانات الكبيرة BIG DATA حيث يتم قياس وتجميع قراءات عن الكثير من المتغيرات الفسيولوجية والسريرية للمرضى وبشكل متواصل من قبل مختلف الأطراف المقدمة للرعاية الصحية من أطباء وممرضين وفنيين وإداريين.

فقد شهدت فترة العقدين الأخيرين ثورة في تقنية المعلومات والاتصالات مما انعكس بشكل مباشر على كمية ونوع  وطرق معالجة البيانات الصحية المخزنة والمحفوظة عن المرضى والأمراض والحالات الصحية وطرق العلاج وتقديم الخدمات الصحية. ويطلق المصطلح BIG DATA على مجموعات البيانات المعقدة وذات الحجم غير العادي والتي يصبح تحليلها ومعالجتها بالطرق التقليدية أمراً غير ذي جدوى وغير فعال. ويوجب التعامل مع أحجام كبيرة من البيانات تحديات عديدة على العاملين ليس أقلها تحليل وتجميع تلك البيانات إضافة الى التخزين والنقل والمشاركة  وعرض البيانات وتحديات البحث في تلك الجبال من البيانات عن شيء محدد الى جنب مواضيع خصوصية وأمن البيانات.

كما يطلق المصطلحBIG DATA على أساليب استخراج المعلومات من البيانات والتي تشمل التنبؤ التحليلي PREDICITIVE ANALYTICS  وغيره من أساليب معالجة واستخدام البيانات. ويجدر القول أن المصطلح لا يشير الى حجم معين للبيانات بقدر ما يعني أساليب معالجة واستخراج معلومات من البيانات ذات الحجم المتزايد بشكل يفوق المعتاد.

ويزداد حجم البيانات باطراد لسهولة آليات وتقنيات التقاطها، قياسها، وتجميعها من خلال الأجهزة الصغيرة والموبايل وتطبيقاته وتقنيات التعرف من خلال ترددات الراديو RFID والكاميرات والمجسات SENSORS و شبكات المجسات اللاسلكية WIRELESS SENSOR NETWORKS ويقدر بعض الخبراء حجم البيانات المنتجة يوميا ب 2.5 اكسابايت (  1018  بايت) للعام 2012 مما يجعل المعالجة التقليدية غير فاعلة.

ويمكن الاستفادة من جبال هذه البيانات الصحية بشكل واضح في التنبؤ بالأوبئة والوقاية من انتشار الأمراض المعدية والوفيات وكذلك معالجة الأمراض إضافة الى تقليل الكلفة العامة للرعاية الصحية مع رفع مستوى جودة خدمات الرعاية الصحية وتحسين مستوى حياة الانسان.

ويمكن الاستفادة من البيانات في فهم الأمراض وطبيعته والحالة الصحية لكل مريض على حده مما ييسر ادراك والتقاط إرهاصات ومؤشرات مبكرة عن إمكانية الإصابة بالأمراض الخطيرة والمستعصية مما يجعل التدخل الطبي بالعلاج مبكراً وأكثر سهولة وأقل كلفة وتعقيدات صحية على المريض.

وحيث انتشرت أجهزة الاتصال المتحركة- الموبايل فإنها تعتبر مثالاً مبسطاً للتعامل مع البيانات الكبيرة، حيث  تحتوي على تطبيقات طبية مختلفة تقوم بقياس المسافات التي يقطعها حاملها في اليوم كما تعطي معلومات – عدد السعرات الحرارية المناسبة للجسم وكذلك عن طرق تخفيض الوزن والحمية وغيرها من الفوائد. كما انتشرت أيضاً أجهزة صغيرة  WEARABLE DEVICES   تثبت على الذراع أو يتم ارتداؤها كما الملابس  والتي تتيح المجال للإنسان متابعة بشكل مستمر للمؤشرات الحيوية لجسمه  من حرارة وضغط ومستوى السكر واستهلاك الطاقة  وغيره وتنقل هذه القياسات الحيوية من الجسم الى الجهاز مما يسمح بإرسالها ومعالجتها وحفظها للاستخدام اللاحق في تطبيقات أخرى كما يمكن أن يتم نقلها وإرسالها الى الطبيب الشخصي أو الملف  الطبي الشخصي  لتكون جزءاً مما يبني عليه الطبيب تشخيصه حين مقابلة المريض وبالتالي وصف العلاج.

كما أن تجميع الكم الكبير والمتزايد من هذه البيانات من الناس يسهم بشكل واضح في تسليط الضوء على الإشكالات الكبرى للصحة العامة للمجتمع وبشكل مبكر ومبني على حقائق واستدلالات علمية تساعد في اتخاذ إجراءات وقائية في الوقت المناسب سواء كانت تلك الإجراءات تثقيفية أو علاجية.

وفي هذا الإطار تبرز الأهمية الكبرى لدور الإدارة الصحية والمعلوماتية الصحية وما يتعلق بها من تخصصات قابلة للتطور والتوسع الى مجالات جديدة كما يؤدي الى تركيز أكثر على المجالات المشتركة للتخصصات المتعددةMULTIDICIPLINARY   والتخصصات المتقاطعة INTERDICIPLINARY ويظهر بوضوح ضرورة الأبحاث المشتركة بين مختلف العاملين في المجال الصحي ومجال تقنية المعلومات للسعي لتحقيق الأهداف العامة للرعاية الصحية وتقليل الكلفة وتأمين سلامة المريض ورفع مستوى جودة العمليات العلاجية.

من جهة أخرى لا بد من التركيز في هذا الخضم الهائل من البيانات الصحية عن المريض على خصوصية وأمن هذه البيانات بحيث توظف لخدمة المريض والطبيب ضمن قوانين وأنظمة إدارية وسياسات إجرائية تضمن حقوق كل الأطراف المشاركة في تقديم الرعاية الصحية، وللحديث بقية.